إن الشباب هم ثروة الوطن والمخزون البشري له، وبدل أن يكونوا كذلك، أصبح بعضهم لقمة سائغة للمنظمات الإرهابية التكفيرية، ولظاهرة الغزو الفكري التكفيري لعقول شبابنا، الذي كان يفترض بهم أن يكونوا من يقود الوطن نحو مستقبل أفضل، حيث أصبح بعضهم تحت إمرة مرجعيات محلية وأجنبية مسوؤلة عن غسيل عقولهم وبرمجتها وفق أفكار هدامة تحرضهم على القتل والتدمير وتصور لهم العمليات الانتحارية والإرهابية التي يقومون بها على أنها «بطاقة دخولهم الجنة».

وهنا أتطرق إلى بعض الجوانب النفسية التي تعد من أهم العوامل لانجذاب الشباب للإرهاب، حيث إن مرحلة الشباب هي مرحلة التعرف على الذات من جميع جوانبها، وفي نفس الوقت هي مرحلة عدم استقرار، والبحث عن الهوية، بشكل يجعل الشاب في توتر وقلق مستمر دائماً، خاصة بالنسبة إلى التغيرات التي ظهرت عليه ومن هؤلاء الشباب من تغير مسار حياتهم وخاصة في دول العالم الثالث، عندما وجدوا من يحقق لهم أهدافهم ويشبع حاجاتهم، وأعني بذلك المنظمات الإرهابية التكفيرية حيث من أهم هذه الحاجات التي تحققها لهم هي الحاجات النفسية، حيث يبحث الشاب عن أن يكون لوجوده في الحياة هدف ومعنى، والشعور بأن له قيمة في المحيط الذي يعيش فيه.

وتوظف المنظمات الإرهابية أساليب لتحقيق هذه الحاجات، منها أنها توفر لهم «الفرصة» ليكونوا من «النخبة المميزة» التي تسعى لتحقيق هدف يتمثل في «قتال الكفار» وتحقيق «دولة الخلافة» أي المكانة العليا «كمجاهد في الحياة الدنيا»، وغير ذلك من المزاعم التي تظهر الباطل على أنه حق.

إن خطورة المنظمات التكفيرية تتمثل في تميزها في جذب الشباب وإغرائهم من كل حدب وصوب في الانضمام إليها، فهي ترفع راية «دولة الخلافة الإسلامية»، وهي دعوة رومانسية تلتقي مع خصائص النمو العقلي للشباب والمراهقين، والتي تتميز بالخيال وتقبل الأفكار الرومانسية، وهذا أهم عامل مكن تنظيم الدولة «داعش» من أن يكون له هذا العدد الكبير من الشباب واستطاع التنظيم أن يمد نفوذه بسرعة النار في الهشيم، فلقد امتدت الجماعة من سوريا إلى العراق، وأصبح لها من المؤيدين والمتعاطفين معها الكثير من معظم الدول الإسلامية بما فيها الدول العربية.

لذلك لمؤسسات المجتمع التربوية مثل الأسرة والمدرسة دور في التنشئة السليمة، ولعل أهمها الأسرة، ولذا يجب أن يكون للوالدين والمربين هنا دور كبير نحو تقديم الدين بمفهومه الصحيح وأساليب صحيحة، ووجوب الالتزام الديني، وبضبط النفس بين دوافعه وضوابطه وطموحاته، بسبب أن الشاب في هذه المرحلة يكون عرضة للانزلاق إلى مطبات لا يحمد عقباها، خاصة إذا ما عرفنا أن الإسلام هو دين يسر وحب وتسامح.

كذلك للمؤسسات الدينية دور حيث مما يؤسف له أن معظم الوعاظ الدينيين ظلوا يعيشون في أبراج عاجية لا يخالطون الشباب ولا يتفاعلون مع قضايا المجتمع ولا يصححون مفاهيم الدين للناس وخاصة الدنيوية، مع العلم أن الإسلام فيه من البساطة ما يجعله بحق هو دين الفطرة، وكذلك هو دين الوسطية حيث يجمع بين الجانب الروحي والجانب المادي، وقد استجدت كثير من المشكلات الدنيوية التي تتطلب رأي الدين في الوقت الذي اقتصر دور علماء الدين على قضايا العقيدة فقط، وهذا ما سبب إشكالية، ومن جانب آخر لم يحاولوا نشر الخطاب الديني الذي يقوم على الاعتدال والتسامح، وهذا أهم يميز الإسلام عن بقية الأديان في أنه دين يدعو إلى السلام حتى مع المشركين، ما لم يعتدى عليهم، وأعطوا هذا الدور لمن ليس لهم دراية بالدين لتضليل الشباب مما جعل غير المسلمين يربطون بين الدين والإرهاب.

هكذا يتضح لنا أن مشكلة حماية الشباب من الأفكار الضالة هي قضية شراكة مجتمعية، والوقاية خير من العلاج، ولا نستطيع أن نخلي أحد من المسؤولية، ولذا وجب أن تترجم الأقوال إلى أفعال وتكون هناك إستراتيجية شاملة لحماية الشباب ولا تكون الجهود مبعثرة كما هو حاصل الآن، فهل تعي مؤسسات المجتمع هذه الحقيقة.

حفظ الله مملكة البحرين ملكاً وحكومةً وشعباً من كل مكروه.