- أحياناً تقديراتنا الشخصية للأشخاص الذين نصادفهم أول مرة تكون صائبة وفي موقعها الصحيح، وأحياناً نفشل في التقدير بسبب اعتمادنا على الانطباع الأول عن تلك الأشخاص، بينما الاستنتاج من اللقاء الأول قد يكون غير دقيق، ويكون مبنياً على الحديث الأول من حيث السلام وأساليب التعارف، وكل ما ذُكر يقتصر على وقتٍ قصير لا يمكننا قراءة الأشخاص بشكل صحيح. ذلك هو مبدأ الانطباع الأول الذي يعدّ سلاحاً ذا حدين، إما أن تنجح في الاستنتاج فيه وإما أن تفشل.
ولكن لا ينبغي علينا أن نترك تقديرنا كتقدير مبدئي ونهائي، لابد من تمييز ما نُصادفه في حياتنا أول مرة، سواء أكانوا أشخاصاً أو أماكن أو أشياء نرغب بشرائها أو امتلاكها.
- كثير منا يقع في فخ الصحبة السيئة وهذا أمر طبيعي، لأننا نقيس الشخصية على معيار أول لقاء فنبني ثقتنا على الانطباع الأول، وفي الأخير نقول قد وقعنا في الفخ بسبب تقديرنا الذي لم يكن في محلّه. وكثير منا يلتقي بصحبة كريمة ولكن بعد مدة اختبار قد تكون طويلة، يقيس عليها مبدأه وعرفه وسلوكه في الحياة، حتى يلتقي بالصحبة المطلوبة التي من المُمكن أن تستمر مدى الحياة، فهذا الاختيار لم ينبنِ على الانطباع الأول فقط، بل مرّ في مراحل تقديرية صعبة كي يكون الفائز في تلك الصحبة. فرق شاسع بين الأول والثاني، ولكن في الأخير كل تلك التقديرات تُقاس على مواقف معيّنة تحسم قُربك وبُعدك من تلك الصحبة.
- يوم من الأيام سمعت عن قصة واقعية في إحدى دول العالم عن رجل ثري جداً ولكنه من أصول ريفية ولد وترعرع في المزارع ورعاية المواشي، وذهب إلى إحدى وكالات السيارات المعروفة في العالم من حيث الاسم وعلامتها التجارية التي لن يستطيع أن يمتلكها أي أحد غير الأشخاص الأثرياء، ودخل وكالة السيارات المذكورة بلباس العامل المزارع، ولفت انتباه الجميع في تلك الوكالة من زوار ومن موظفين، واعتزم على شراء أغلى سيارة معروضة لديهم، إلا أن جميع الموظفين سخروا منه بسبب لباسه ومنظره العام، وقاسوا ما شاهدوه على انطباعهم الأول عن ذلك الشخص بأنه فقير ولن يملك أي شيء، وقاموا فوراً بطرده خارج الوكالة قبل أن يسيء إلى سمعتها أمام الزوار، حيث قام ذلك المزارع بتلقينهم درساً لم ينسوه أبداً، قام بشراء أغلى سيارة لديهم وقام بفتح سقفها ووضع محصول الزراعة وقليلاً من النفايات وركنها بجوار الوكالة.
- من يكون مقياسه الأساسي هو الانطباع الأول مهما كان صائباً لن يدوم قراره أبداً، لأن الانطباع الأول هو استعجال في القرار لأي شيء نريده أو نصادفه، أوقات تكون وجهات النظر مختلفة عن بعضها في التقدير أو في بعض القرارات.
فمثلاً يوصّف بعض الأشخاص شخصاً لنا يرى بأنه غير لائق من وجهة نظره الشخصية كانطباع أول، بينما حين نقوم بمعرفة هذا الشخص بطرق أخرى لا بانطباعنا الأول عنه، نرى فيه محاسن كثيرة تميّزه من بين جميع من حوله.
يجب أيضاً ألا نؤمن بآراء الآخرين، لأنه من الممكن أن يكونوا غير مدركين في تقديرهم للأشخاص، وأحياناً يتم وصف دولة بصورة سيئه بحُكم أخذ واصفها انطباعاً مبدئياً عنها قبل أن يقوم بتجربتها، وهذا الأمر يفتقر وصف التقدير نهائياً.
- المحور الأساسي من ذلك المقال بأننا نواجه مواقف كثيرة في طريقنا نحو حياة مميزة، ولكن لا نستطيع أن نؤمن بالإعجاب من أول نظرة أو نقدّر الشيء من أول انطباع، لأن هذا المبدأ يُدرج تحت سوء التقدير، بل يأخذنا إلى مسار ظلم البعض. لابد من التركيز أكثر على معايير الأساليب التقديرية، كي نتمكّن من تفادي المساوئ في طريقنا وتفادي أيضاً المواقف المحرجة. أغلبنا يدّعي بأنه يمتلك ميزة تقدير الشيء، وفي الواقع يصبح عكس ذلك الادعاء، فالأساسيات في هذا السياق يجب الالتزام بها والتركيز عليها أكثر من الاستعجال، فالانطباع الأول مثلما ذكرنا أعلاه ليس بمقياس لأي شيء مهما كان جيداً.
- أصبحت مقولة لولا اختلاف الأذواق لبارت السلع صحيحة وسليمة، لأنه أحياناً الانطباع الأول يصبح هو الأخير للبعض، بينما نحن بشر نأخذ انطباعنا الأول كمقياس دون الاجتهاد لمعرفة التفاصيل المهمة، أو مضمونه، أو محتواه الأساسي.
أوقات يكون تقديرنا للشيء كانطباع أول هو النهائي وهو الصحيح، فاختلاف وجهات النظر له تأثير كبير في التقدير، واختلاف الآراء لن يكون متشابهاً، فأصابع اليد ليست سوية بينما بالإمكان أن نراها سوية في حال إن كان لدى تقديرنا مقياس عادل، فالحياة تتطلّب الاجتهاد كي نصل إلى رغباتنا المطلوبة حسب ما نراه مناسباً.
- في النهاية، يجب ألا نقيس تقديرنا على الآخرين فقط، فنحن أيضاً لربما نسعى لترك انطباع جيد عن شخصيتنا في كل موقف في حياتنا، ويجب أن يكون هذا الانطباع حقيقياً كي يرسخ في ذهن من نواجههم كأول لقاء، فتبادل ذلك الانطباع مطلوب وبمصداقية تامة، كي لا نكون ذوي شخصية مزيفة لا وجود لها، وقد نترك بصمة سيئة في أول انطباع عنا.
لابد من أننا نريد من يقيّمنا بما هو مطلوب، ويجب علينا أيضاً أن نقيّمه بما تركه هو من أثر من أول مرة. ولا يقتصر ما ذُكر على الأشخاص فقط، بل على الأماكن أيضاً بأننا نزخرف المكان الذي بإمكانه جلب العديد من الأشخاص حوله، ونتسابق بأن يكون له انطباع أول لمن يزوره، هذا هو ما نكتفي به من جانب ممارسة التقدير من خلال الانطباع الأول.