سيستمر أولئك الذين اختاروا العيش في الخارج في عملية التحريض التي لم تتوقف على مدى السنوات الست الأخيرة، وسيستمر الحاضنون لهم في إيران في تشجيعهم على هذا الفعل ومشاركتهم تحريض من هم في الداخل، وسيستمر الذين يعتقدون أنهم يضحون بأنفسهم من أجل الوطن في الداخل في تلقي الضربة إثر الضربة لا لشيء إلا ليقول عنهم أولئك وأولئك أنهم «صمود» وأنهم مصرون على تحقيق أهدافهم التي لا يمكن أن تتحقق كون الأمور مرتبطة دائماً بالمعطيات، والمعطيات لا تدفع عاقلاً كي يقول إنها يمكن أن تصب في صالحهم مهما فعلوا، فمثلما أن حاصل جمع واحد زائداً واحد لا يمكن أن يكون ثلاثة فإن كل هذا الذي يقومون به اليوم لا يمكن أن يوصلهم إلى مفيد، فهناك حقائق لا يمكن أن تتغير لمجرد الرغبة في تغييرها أو بعقد النية.

الذين يقومون بكل هذا الذي يحدث مجموعة صغيرة ستعاني كثيراً وستكون هي الخاسر الأكبر، فلا ربح يمكن أن يأتي من هكذا أفعال وممارسات، ومن يقول لهم غير هذا إنما يضحك على ذقونهم ويسخر منهم، فلا توجد حكومة في العالم يمكن أن تستجيب لأي مطالب يتخذ أصحابها العنف سبيلاً، ولا يمكن لأي حكومة أن تقبل بمثل ما دعا إليه البعض أخيراً، فالبحرين دولة مستقلة ولا يمكن لدولة مستقلة أن تفتح الباب للأجنبي ليصير حكماً بينها وبين مجموعة من شعبها أو حتى شعبها كله، وهذا للأسف لا يزال ذلك البعض ومن يحرضه دون القدرة على استيعابه.

أن تواجه دولة بيدها كل الأدوات التي تحميها وتعتقد أنك ستنتصر عليها فأنت واهم، وأن تعتقد أن الدولة ستقدم لك التنازلات مراعاة لهذا الأمر أو ذاك الطرف فأنت واهم، وأن تتخذ العنف سبيلاً وتظن أن من حرضك عليه سيشد من عضدك وسيستمر في توفير كل ما تحتاجه من أدوات فأنت واهم. الأمور لا تسير بهذا الشكل وإلا لكان سهلاً حصول أي مجموعة على ما تريد بمجرد الإعلان عن رغبتها فيه أوالقيام ببعض أعمال العنف أو قيام جهة ما بتوفير بعض الفضائيات الداعمة لها.

ما يفيد اليوم هو الركون إلى العقل والتعامل مع الواقع الذي لا تتوفر فيه أي علامات تبشر بتحقيق ولو جزء مما يسيطر على بعض الرؤوس، والتعلق بأمل تغير الظروف واحتمالات توفر فرص أفضل في المستقبل هو من تفكير الحالمين الذين يتغافلون عن معطيات الواقع أو يعاندون أنفسهم ويعتقدون أن هذا هو القرار الصحيح والنافع.

التراجع في مثل هذه الأحوال لا يعتبر هزيمة، فعندما تصل إلى طريق مسدود وليس أمامك سوى جدار شاهق الارتفاع فالأفضل لك ولمن تبعك هو أن تتعامل مع الواقع لأنه لا يمكنك في هذه الحال تحقيق أي تقدم. هذا ما يقوله العقل ويفعله العاقل، عدا هذا فإن خسائرك ستزداد وستظل تعيش في وهم أنك تحقق الانتصارات.

هذا هو كلام العقل والواقع، لكن الأكيد أنه لا يمكن أن يجد قبولاً من أولئك المقيمين في الخارج الذين أيديهم في الماء البارد ويعيشون يومهم مطمئنين على عيالهم وأرزاقهم، ولا من إيران التي لا يكلفها الأمر سوى تصريحات تطلقها بين الحين والحين عبر مسؤوليها أو أذرعها في لبنان والعراق، ولا من الذين يعتبرون أنفسهم مسيطرين على الشارع في الداخل ويعتقدون أنهم يحققون الانتصارات ويروجون لفكرة أن الضربات المتتالية على رؤوس المغرر بهم تقويهم.

كل أولئك لا يمكن أن يلتفتوا إلى مثل هذا الكلام طالما ظلوا في سكرتهم لكنهم سيتذكرونه ذات يوم ولكن بعد أن تكون الخسائر قد تضاعفت وزادت أعداد الضحايا.