عندما تقرأ أو تسمع خبراً مضمونه أن «82 عالم دين» من المقيمين في بريطانيا يوقعون على عريضة ما فإن السؤال الذي يقفز إلى ذهنك في اللحظة هو ماذا يفعل كل هذا العدد من «علماء الدين» في بريطانيا؟ أما إذا أضفت إلى الموقعين على العريضة عدد الذين لو يوقعون عليها لسبب أو لآخر فالغالب أن العدد يفوق المائتين وقد يزيد عن الخمسمائة، فإذا تبين لك أن كل هؤلاء أو معظمهم من أتباع مذهب إسلامي بعينه فإن سؤالاً أكبر يقفز إلى ذهنك عن الذي يجري هناك والغاية منه وعن مدى استفادة بريطانيا منهم وما إذا كانت توظفهم لصالحها أو ضد وطنك؟ ولأن الحديث هنا عن بريطانيا وليس عن إيران لذا فإن الدهشة من تواجد كل هذا العدد هناك تكبر، والسؤال يكبر. وبالطبع فإن مجموعة أخرى من الأسئلة ستتقافز أمام عينيك لو علمت أعداد «علماء الدين» الذين تستضيفهم إيران والدول التي «تمون» عليها، ومن الطبيعي أن تتوجس فترفع من صوت السؤال الذي يشاغبك فتقول بلسانك وبعينك في آن «شسالفة»؟

أبداً لن تدهش عندما ترى أي عدد من الذين يرتدون العمامة في إيران والعراق وحتى في لبنان وسوريا، بل لن تدهش اليوم لو رأيت أي عدد منهم في صنعاء والمناطق اليمنية التي يسيطر عليها الحوثيون أو بالأحرى تسيطر عليها إيران، لكنك دونما شك تدهش عندما تعلم أن الذين وقعوا على تلك العريضة أو غيرها «علماء دين» عرب يقيمون في بريطانيا، وبالتأكيد ستشاغبك الأسئلة.

احتضان بريطانيا -أو أي دولة في الغرب- لهذه الأعداد الكبيرة والتي تتزايد من «علماء الدين» مسألة ينبغي أن تجد حظها من الاهتمام والدرس، فالأكيد أنها لا تفعل ذلك من باب الشفقة، والأكيد أنها لم تفتح أبوابها لهم لأسباب إنسانية كما يتردد دائماً، وإلا تكون قد فرطت في حق أبنائها وفي ثرواتهم.

وجود هذا العدد الكبير من أصحاب العمائم في بريطانيا وحدها يعني وجود مساجد يديرونها ويعني أنهم يقودون أنشطة معينة، ويعني أن هناك ضوءاً أخضر لعمل كل ما يريدون عمله طالما أنه لا يؤذي الدولة التي تستضيفهم، وطالما أنهم لا يترددون عن «رد الجميل» في الزمان والمكان المناسبين وبالكيفية التي يراد منهم فعل ذلك.

السؤال الأكبر، هو كم يبلغ عددهم في كل دول الغرب؟ وما هو نوع النشاط الذي يمارسونه هناك؟ وإلى أي مدى يشكل وجودهم خطراً على البلدان التي وفدوا منها؟ وإلى أي مدى تستفيد منهم إيران كونهم بعيدين عن «أوطانهم» في تنفيذ أجندتها؟ وأسئلة أخرى كثيرة يفترض أن تعلم الدول المضيفة لهم أنها ملزمة بالإجابة عنها. ليس عدلاً أبداً السكوت عن هذا الأمر، وليس عدلاً الانتظار حتى يتبين بعض أو كل ما هو خافٍ اليوم صدفة. علاقة دول مجلس التعاون كلها مع بريطانيا علاقة مميزة ووطيدة وقديمة، لكن الركون إلى هذه الأسباب والاعتقاد بأن ضرراً لا يمكن أن يأتي من هذا الباب خطأ ينبغي ألا تقع فيه هذه الدول، إذ ليس بالضرورة أن يأتي الأذى من الحكومة البريطانية، بل الغالب أنه يأتي من أولئك الذين تستضيفهم والذين لم يختاروا الإقامة هناك اعتباطاً.

توقيع هذا العدد على تلك العريضة اليوم سيتلوه توقيع على عريضة أخرى ثم ثالثة ورابعة وعاشرة، وسيأتي الوقت الذي يمارسون فيها أعمالاً وأنشطة لا علاقة لها بالعمامة، بل ليس بعيداً حتى أن يصلوا بعد قليل إلى مرحلة تكوين قوة ضاغطة تمنع بريطانيا -حسب القانون- حتى من استقبال المسؤولين في دول التعاون وفي كل دولة يتخذون منها موقفاً.