مثلما أن «الخط الجميل يزيد الحق وضوحاً» كذلك فإن القول الجميل يمكن أن يوصل كل فكرة ومطالبة من دون أن ينفر الآخر من القائل. هذا أمر يصنف في باب الذكاء ويعتبر من «الذرابة» التي تعني باختصار أن المرء يوصل ما يريد توصيله من قول إلى الآخر -ويشمل ذلك انتقاده- من دون أن يتسبب في توتيره أو قطع حبل التواصل معه، بل إن بالإمكان حصول المرء من خلال هذه «التقنية» على كثير مما يريد من الآخر.
الشطارة ليست في التعبير عن المطالب ولكنها في فن توصيلها وجعل الآخر يتقبلها ويستجيب ولا يتخذ موقفاً سالباً منها أو من صاحبها. هذا للأسف طريق لم يتبعه ذلك البعض الذي لايزال مستمراً في الأسلوب نفسه وواضح أنه لم يتعلم من التجربة. الصراخ لا يأتي بنتيجة، والمبالغة في تصوير الأمور لا تنتج مفيداً، واعتبار محاسبة منتمٍ إلى الجسم الصحافي بسبب خطأ كبير ارتكبه لا يعني أن الصحافة في هذه البلاد تعاني وأن الحكومة تضيق على العاملين في هذا الميدان، خصوصاً وأن ما يدحض هذا الادعاء متوفر بسخاء.
هنا مثال ربما يعين على توضيح الصورة. في بداية الثمانينات كنت أعمل مراسلاً لإحدى الصحف الخليجية، وكنت في فورة الشباب والحماس، ويبدو أن المرحوم طارق المؤيد وزير الإعلام حينذاك سجل بعض الملاحظات على كتاباتي ورأى أن فيها تجاوزاً فأرسل في طلبي، لكنني فوجئت عندما التقيته أنه لم يحدثني في مثل هذا الأمر. استقبلني جيداً و«سولف» معي في أمور عامة، ثم عندما سألته عن السبب وراء «استدعائي» قال لي إنه كان يرغب فقط في التعرف إلي. لكنني وأنا أودعه دس في يدي نسخة من قانون المطبوعات والنشر.
بهذه الطريقة تتعامل الحكومة مع الصحافيين، في ذلك الوقت، وفي هذا الوقت أيضاً. كل ما هناك هو أن الجهة المعنية بالأمر -وزارة الإعلام- تحاول أن تصحح المسار وتمنع الاستمرار في خطأ يضر بالوطن أو يسيء إلى فئة أو طائفة أو حتى شخص، وهذا حقها وواجبها. ما يحدث هو أن البعض يصر على موقفه ويواصل في الخطأ ويعتبر التجاوز حقاً، ثم عندما تتم محاسبته يعتبر ذلك تضييقاً على الحريات وتقليلاً من شأن الصحافة والصحافيين.
في البحرين لا يوجد موضوع لا يستطيع الصحافي تناوله والكتابة فيه، ولكن يوجد أسلوب في التناول يتسبب في توتير العلاقة بينه وبين الجهات ذات العلاقة ويمنعه من بلوغ مقصده. كان الصحافي المخضرم إبراهيم بشمي الذي عملت معه طويلاص يردد باستمرار مقولة «ابتعد عن الذي يطز العين»، وكان يقصد بها إن بإمكانك أن توصل ما تريد وتبلغ غايتك من دون أن تسيء إلى الآخر أو تجعله يتضايق منك، وهو ما يدخل في باب الذكاء والذرابة، فالشطارة ليست في قول ما تريد وإنما في قوله بطريقة يتقبلها الآخر ولا ينفر منك.
هذه الأمثلة تعين على تبين الخطأ الذي وقع فيه ويعيشه ذلك البعض الذي يقلل من شأن الحريات الصحافية في البحرين ويروج كلاماً سالباً عنها، وهذا يعني أن المشكلة فيه وليس في مستوى الحريات أو في الأنظمة والقوانين التي يقول إنها تقيد الحريات الصحافية. مشكلة ذلك البعض هي أنه لا يعرف الطريق التي عليه أن يسلكها كي يتمكن من قول كل ما يريد قوله، ولهذا يتعرض للصد فلا يجد أمامه سوى الرد السالب وكيل التهم للحكومة والإساءة إلى الوطن.
مشكلة ذلك البعض ملخصها أنه يعاني من سوء علاقة مع الخط الجميل ولا يحسن القول الجميل.
{{ article.visit_count }}
الشطارة ليست في التعبير عن المطالب ولكنها في فن توصيلها وجعل الآخر يتقبلها ويستجيب ولا يتخذ موقفاً سالباً منها أو من صاحبها. هذا للأسف طريق لم يتبعه ذلك البعض الذي لايزال مستمراً في الأسلوب نفسه وواضح أنه لم يتعلم من التجربة. الصراخ لا يأتي بنتيجة، والمبالغة في تصوير الأمور لا تنتج مفيداً، واعتبار محاسبة منتمٍ إلى الجسم الصحافي بسبب خطأ كبير ارتكبه لا يعني أن الصحافة في هذه البلاد تعاني وأن الحكومة تضيق على العاملين في هذا الميدان، خصوصاً وأن ما يدحض هذا الادعاء متوفر بسخاء.
هنا مثال ربما يعين على توضيح الصورة. في بداية الثمانينات كنت أعمل مراسلاً لإحدى الصحف الخليجية، وكنت في فورة الشباب والحماس، ويبدو أن المرحوم طارق المؤيد وزير الإعلام حينذاك سجل بعض الملاحظات على كتاباتي ورأى أن فيها تجاوزاً فأرسل في طلبي، لكنني فوجئت عندما التقيته أنه لم يحدثني في مثل هذا الأمر. استقبلني جيداً و«سولف» معي في أمور عامة، ثم عندما سألته عن السبب وراء «استدعائي» قال لي إنه كان يرغب فقط في التعرف إلي. لكنني وأنا أودعه دس في يدي نسخة من قانون المطبوعات والنشر.
بهذه الطريقة تتعامل الحكومة مع الصحافيين، في ذلك الوقت، وفي هذا الوقت أيضاً. كل ما هناك هو أن الجهة المعنية بالأمر -وزارة الإعلام- تحاول أن تصحح المسار وتمنع الاستمرار في خطأ يضر بالوطن أو يسيء إلى فئة أو طائفة أو حتى شخص، وهذا حقها وواجبها. ما يحدث هو أن البعض يصر على موقفه ويواصل في الخطأ ويعتبر التجاوز حقاً، ثم عندما تتم محاسبته يعتبر ذلك تضييقاً على الحريات وتقليلاً من شأن الصحافة والصحافيين.
في البحرين لا يوجد موضوع لا يستطيع الصحافي تناوله والكتابة فيه، ولكن يوجد أسلوب في التناول يتسبب في توتير العلاقة بينه وبين الجهات ذات العلاقة ويمنعه من بلوغ مقصده. كان الصحافي المخضرم إبراهيم بشمي الذي عملت معه طويلاص يردد باستمرار مقولة «ابتعد عن الذي يطز العين»، وكان يقصد بها إن بإمكانك أن توصل ما تريد وتبلغ غايتك من دون أن تسيء إلى الآخر أو تجعله يتضايق منك، وهو ما يدخل في باب الذكاء والذرابة، فالشطارة ليست في قول ما تريد وإنما في قوله بطريقة يتقبلها الآخر ولا ينفر منك.
هذه الأمثلة تعين على تبين الخطأ الذي وقع فيه ويعيشه ذلك البعض الذي يقلل من شأن الحريات الصحافية في البحرين ويروج كلاماً سالباً عنها، وهذا يعني أن المشكلة فيه وليس في مستوى الحريات أو في الأنظمة والقوانين التي يقول إنها تقيد الحريات الصحافية. مشكلة ذلك البعض هي أنه لا يعرف الطريق التي عليه أن يسلكها كي يتمكن من قول كل ما يريد قوله، ولهذا يتعرض للصد فلا يجد أمامه سوى الرد السالب وكيل التهم للحكومة والإساءة إلى الوطن.
مشكلة ذلك البعض ملخصها أنه يعاني من سوء علاقة مع الخط الجميل ولا يحسن القول الجميل.