حسب التعريفات فإن الغرض من الإرهاب هو «فرض الهلع على الناس من أجل خلق واقع جديد وتحقيق مصالح سياسية». مثاله بدا واضحاً للجميع في سوريا والعراق واليمن حيث سعى ممارسو الإرهاب إلى إدخال الرعب في قلوب الناس هناك بغية دفعهم إلى الخضوع والتسليم فيتحقق بذلك الواقع الجديد الذي يخدم فئة معينة وتتحقق لها المصالح السياسية التي تسعى إليها.

هناك إذن معيار واضح يمكن به تبين ما إذا كان هذا البلد أو الفريق يمارس الإرهاب أم لا. وبالتأكيد لا بد من التفريق بين منفذ العمليات الإرهابية وذاك الذي يدفع به ولكن يقف في الظل، إذ إن المنفذ – باستثناء البعض الذي يمارس الإرهاب دفاعاً عن قناعة وفكر أوعقيدة يؤمن بها – ليس إلا أداة، أي يمكن أن يخدم أي طرف آخر طالما أنه يدفع له الأجرة، بينما من يقف وراءه ويدفع له هو رأس الأفعى التي ينبغي من محاربي الإرهاب قطعها.

الخصم إذن ليس هو المنفذ ولكن من وظفه وأعده لهذه المهمة. المشكلة هي مع الواقف في الظل وليس العامل في الشمس وهذا يعني أن الأول يوظف أمواله لتحقيق مصالح سياسية ويحرص على ألا ينكشف أمره لأن في هذا افتضاحه ونهايته أو على الأقل تعويقه ومنعه من تحقيق مآربه.

عندما يتمكن المتضررون ممن يقف وراء الإرهابيين ويدعمهم يسهل عليهم وضع حد للإرهاب، دون أن يعني هذا أن التمكن من الإرهابيين أنفسهم «الأدوات» لا جدوى منه حيث ضرب الأداة يؤثر دونما شك في من يقف وراءها ويضعفه. ولكن من الذي يستطيع أن يكتشف داعمي الإرهاب ومموليه الذين يقفون في الظل ويعملون في الخفاء؟ هذا بالطبع هو دور الأجهزة المعنية في الدول والتي يمكنها أن ترصد التحركات وتتيقن من أن هذا الطرف وليس ذاك هو من يقف وراء الإرهابيين ويحرضهم على تنفيذ العمليات الإرهابية ويوفر لهم الظروف المناسبة التي تعينهم على تنفيذ المطلوب منهم.

ولأن موضوعاً كهذا كبير وخطير لذا فإن الأكيد هو أن هذه الأجهزة، ومن ورائها حكوماتها، لا تغامر بتوجيه الاتهام إلى دولة ما من دون توفر الدليل بل توفر مجموعة من الأدلة والبراهين التي لا يمكن دحضها، وهذا ما تقوم به الدول عادة، فلا تستعجل في توجيه التهم واتخاذ القرارات التي تعقب تلك الخطوة حتى وإن استمر تضررها من الإرهاب.

توجيه دولة أو مجموعة دول تهمة رعاية الإرهاب ودعمه وتمويله لدولة ما لا يكون اعتباطاً ولا يحدث إلا بعد التيقن من تورطها في هذا الأمر، ذلك أن خطوة كهذه من شأنها أن تحدث شرخاً كبيراً في العلاقات بين الدول والشعوب ولا يفيد معها الاعتذار لو تبين أن القرار كان خاطئاً أو متعجلاً أو أن الأدلة لم تكن مقنعة للعالم، فالإصلاح في هذه الحالة صعب وقد يكون مستحيلاً.

من هنا فإنه يصعب القول إن الدول الأربع التي اتخذت قراراً بمقاطعة قطر واتهامها بتمويل ودعم الإرهاب في المنطقة أخطأت في التشخيص وتعجلت خصوصاً وأن قطر لم تتمكن حتى الآن من إثبات براءتها من التهم الموجهة إليها، فكل ما فعلته هو نفيها لتلك التهم والعمل على حماية نفسها من خلال الانفتاح على تركيا وإيران ورفض كل المطالب وإعلانها عن استعدادها للمواجهة، وكل هذه الخطوات لا تبرؤها بل على العكس ربما تعتبر دليلاً على تورطها.

شعبياً الكل يتمنى أن يكون قرار المقاطعة خاطئاً وأن تكون قطر بالفعل قادرة على إثبات براءتها من التهم الموجهة إليها كي تعود الأحوال إلى سابق عهدها، لكن واقع الحال يجعل هذه الأمنية صعبة التحقق.