ها قد بدأت الإجازة الصيفية بعد أن كان الطلبة ينتظرونها بفارغ الصبر، فهي مجال للراحة، للمرح، ولممارسة الهوايات، وللسفر والاستجمام، بعد أن أمضوا شهوراً في الدراسة والاجتهاد للتعلم، وانتهت بضغوط الاختبارات، فما أن تنتهي هذه الأيام العصيبة وتبدأ العطلة الصيفية حتى يبدأ الطلاب بمطالبة الآباء ببرامج ترفيهية، كالسفر والخروج يومياً للتنزه، والتسوق، فهم يريدون الاستمتاع قدر المستطاع قبل بدء عام دراسي جديد، معتبرين أن الإجازة الصيفية متنفساً ووقتاً للاستجمام والتحرر من جميع القيود والبعد عن النظام اليومي، كالاستيقاظ مبكراً، فيسهرون طوال الليل حتى الصباح، ويستيقظون ظهراً، هكذا تمضي أيام الإجازة الصيفية عند البعض بلا إنجاز أو استفادة.

ولكن يرى البعض أن الإجازة الصيفية ليست مساحة زمنية فارغة من المهام والواجبات، وقضاء شهور ثلاثة من الراحة والترفيه والمرح والكسل، فالإجازة الصيفية محطة للتزود بالعديد من المهارات التي تسهم في بناء الشخصية، فبعض أولياء الأمور يضع خطة للأبناء لاستثمار هذه الأوقات، يكتشفون مواهبهم، واهتماماتهم العلمية، ويلحقونهم ببرامج تنمي هذه المواهب، وتشبع اهتماماتهم،

فيجب أن يتم استغلال الإجازة الصيفية استغلال أمثل، ولا نغفل أي جانب سواء الترفيهي أو التعليمي أو ثقل المواهب والقدرات لدى أبنائنا، بالإضافة إلى تخصيص بعض من الفروض الاجتماعية التي تعلمهم دروساً إنسانية ربما لا يتسع الوقت خلال الدراسة للقيام بها.

فاستثمار الوقت بشكل منتج هو أحد أهم آليات صناعة جيل سليم فمن المفيد جداً أن يستثمر الآباء أيام الإجازة الصيفية لصقل مواهب أبنائهم، بل وتعليمهم مهارات جديدة سواء كانت يدوية أو فكرية أو رياضية، وهناك العديد من البرامج المطروحة يمكن المشاركة فيها كالسباحة والتايكوندو والمسابقات الثقافية والرسم وغيرها.

ومن الجوانب التي يجب ألا يغفل عنها الوالدان هي صقل القدرات والميول العلمية للأبناء، بأن يستغل الطلاب هذه الفترة للحصول على دورات في المجال العلمي الذي يرغب الطالب في التخصص به ودراسته في الجامعة، بحيث يتخرج الطالب من التعليم العام ولديه تخصص آخر موازٍ، كأن يبرع في لعبة رياضية معينة، أو يكتسب مهارات في مجال الحاسوب وغيرها.

وكل أسرة ترغب في أن يكون أبناؤها متميزون علمياً، لذا فإن للاسرة دور كبير في تنمية ورعاية ميول الأبناء العلمية وتنميتها منذ الصغر، ويقع على عاتق الأسرة اكتشاف تلك الميول وتنميتها بشكل صحيح، كونها هي الحضن الأول للطفل، وللأسف أن أغلب الأسر العربية لا تقوم بدور إيجابي يكتشف ويدعم هذا الجانب لدى الأبناء، وإذا تم اكتشافه فلا يتم تنميته ويترك للحصول على العلم من خلال الدراسة فقط، وربما يرجع ذلك إلى نقص الخبرة.

ودور الأسرة لاكتشاف ميول الطفل والتعرف عليها يبدأ منذ الطفولة المبكرة، وبالتواصل مع المدرسة والتحدث معه للتعرف على رغباته العلمية والكلية التي يرغب في الالتحاق بها، وعلى الأسرة أن تتأكد من مدى توائم قدراته مع ميوله، وأن تتيح لابنها مجالاً واسعاً للتعلم، من خلال مصادر التعلم والمعلومات داخل وخارج البيت، وإلحاقه بالدورات التي تنمي وتمنحه المعرفة الكافية في هذا التخصص العلمي، ولا يوجد أفضل من الإجازة الصيفية لإلحاق أبنائنا بهذه الدورات للحفاظ على دافعية الطفل حتى يلتحق بالجامعة.

إن تأهيل الطالب بالمعرفة الكافية للمجال العلمي الذي يرغب في الدراسة فيه لا يقل أهمية عن الدراسة بالمدارس، بل أنه سيخلق طالباً ناجحا اختار طريقه وتخصصه وهو ملم بالجانب المعرفي كاملاً، ولن يحيد أو يتراجع عنه، ولنا في العديد من طلبة الجامعة أمثلة كثيرة ممن يغيرون مسارات تخصصاتهم لعدم مواءمتها لقدراتهم أو اختلاف طبيعة الدراسة عن تصورهم مما يسهم في ضياع بعض سنوات من عمرهم دون الحصول على الشهادة الجامعية، ومنهم من يكمل طريقه ولكنه يكون متعثراً ويستغرق سنوات أكثر للتخرج.

إن المرحلة ما قبل الجامعية هي المرحلة التي يجب أن نعد من خلالها أبناءنا حتى يستطيعوا الإلمام بالجانب المعرفي للتخصص العلمي الراغبين في الدراسة فيه، لأن ذلك ما سيقوده إلى مهنة سترافقه طوال حياته، وبالتالي حرص الأهل على تخصيص جزء من الإجازة الصيفية لصقل هذا الجانب من خلال الدورات سيسهم في خلق طالب جامعي متميز وخريج مستعد للدخول في معترك الحياة العلمية.