الزمن كفيل بفعل كثير من الأمور، فلتقلباته وتداعياته أشياء غريبة عجيبة.

كيف تنقلب المعايير، وكيف تتغير المعادلات، وكيف يتحول الحليف إلى عدو، والعكس، بل كيف تتفاجأ بأن بعض الأحوال تتأرجح من السماء السابعة حتى الأرض الساحقة.

كلها تدابير كونية، لكن لتنفيذها لا بد من الحاجة لعنصر هام جداً، يتمثل بالبشر، ولا أحد غيرهم.

تبدل الحال إلى آخر، فعل من أفعال البشر يحصل بأمر وتدبير من المولى عز وجل، نعم سبحانه يقدر الأرزاق، لكنه يخلق أسباباً لكل شيء، فالسبب قد يكون شخصاً يقف معك ويسندك ويغيثك، والعكس، قد يكون سبباً في تعاستك وشقائك، أو قطع الخير عنك.

هناك علاقات تتأرجح، يقلبها الزمن، مثلما يقلب الله سبحانه القلوب بين أصابعه، فمن كنت تظنه يوماً صديقاً، يغيره الزمن، ولربما تنتفي مصلحته معك، فيتحول لشخص وكأنك لا تعرفه، هذا إن كفيت شره. هنا يكون الألم عند أحد طرفي العلاقة حينما يخلص فيها بعكس الآخر.

كذلك هي العلاقات المهنية، هناك في مواقع العمل لوبيات وتكتلات، أحزاب تشكلت لأن هناك ما يجمعها، وحين نحسن الظن سنقول إن هناك خيراً يجمع تلك المجموعة أو تلك، لكن الحقيقة المرة حينما يتوافق بشر غير أسوياء على أرضية مشتركة، هنا يكون الضحايا بشراً آخرين، وهناك أمثلة واقعية في أوساط العمل والمهن، بيد أن المأساة الملهاة حينما يختلف المجتمعون على الشر، هنا تبدأ عمليات إطلاق النار العشوائي، فتنتشر الجثث، وتتناثر الشظايا، وتسود الفوضى.

طبعاً أتحدث مجازياً أعلاه، لكن اختصار المشهد في أن الثابت هو معني بنوع العلاقات البشرية، وتركيبة الأفراد، فالعلاقات الثابتة الراسخة ذات الجذور القوية المضروبة في الأرض والموغلة في العمق، هي تلك التي تجمعها أولاً أهداف سامية، وتستلزم أطرافاً تتعامل مع بعضها بنزاهة وبشيم الفرسان، يجمعها عمل طيب فيه الخير، وإن كان لا بد من افتراق وسلك كل لطريقه، فلا ضرر ولا ضرار.

أعلم بأن كثيراً من الناس مر بحالات صدم فيها بأناس، شعر بأن خيانة ما طالته في تلك العلاقة أو الصداقة، اندهش كيف يتغير موقف الآخرين، كيف يتحول من كان يحرص على قربه منه، إلى شخص يحاول الفرار والصد عنه، هذا إذا ما لم يبطر في الخصام أو نوايا الابتعاد.

البعض يعيش حالة تأثر لا يلام عليها، فليس أعظم من خيبة الأمل في حليف أو صديق، لكن التعزية في ذلك، أنها كلها دروس، يقدمها لك الزمن، وصانع الزمن المولى عز وجل، فيها حكمة وعظة، على رأسها بأن تقلبات الدنيا واردة، ففي لحظة يُجعل عاليها سافلها، وفي ثوانٍ تنقلب القلوب والأحاسيس، ويحل البغض محل الحب، والعكس صحيح.

بالتالي «لا تحزن»، نصيحة قالها ربنا تعالى لرسوله خاتم الأنبياء حينما ضاقت به الأرض بما رحبت، فإنا سنفتح لك فتحاً مبيناً، ولو بعد حين، وحينما ضاقت الحال بأبي بكر الصديق رضي الله عنه حينما كان في الغار مع الرسول محتمياً من الكفار، قالها له محمد صلوات الله عليه: «لا تحزن، إن الله معنا».

مهما تقلب الزمن، ومهما صدمت في أشخاص، ومهما تغيرت عليك الظروف، فلا تحزن، كن مع الله، سيكون معك، وكفى بالله حسيباً ووكيلاً.