بداية أقول لك عزيزي القارئ أنك عليك استيعاب حقيقة ثابتة لا جدال فيها، تتمثل بأن حياتك عبارة عن «سنوات، شهور، أيام، ساعات، دقائق وثوانٍ»، باختصار هي «زمن» يمضي للأمام ولا يرجع، ولا يمكن لكنوز الدنيا أن تسترجع لك ثانية واحدة مضت من حياتك.كل ثانية تمضي، تقرب حياتك من نهايتها، لكن عليك ألا تخاف من ذلك، أي نهاية الحياة، لكن عليك أن تخاف من «الكيفية» التي تعيش فيها حياتك.حياتك كلها تمثل لك أبلغ «مدرسة» يمكن أن تتعلم منها أبلغ الدروس، وأبلغها تلك التي تتعلمها بقسوة، والتي تفرض عليك ولا قدرة لك على التحكم فيها.بيد أن الإنسان الناجح هو الذي يمضي في حياته، وغريزة التعلم تعمل معه دون توقف، تعمل يومياً وطوال ساعات استيقاظه، فمن يظن أن التعليم يتوقف عند مرحلة معينة مخطئ تماماً، هي عملية تبدأ منذ ولادتك وتنتهي عند مماتك.كل ما تتعلمه من تجارب حياتك، هو ما يصقل شخصيتك، هو ما يجبرك على تعديل بوصلة مسيرتك، حتى التجارب السيئة يجب أن تتعامل معها على أنها دروس لا بد من الاستفادة من ورائها ولا بد من استخلاص عبرها.لست أنت نفسك، ذاك الفتى في عمر الزهور، ولا الشاب في مقتبل العمر، ولا الرجل الناضج، ولا الشيخ كبير السن، أنت تتشكل وتتغير، وكل ما يمر بك يساهم في تشكيلك وتغييرك.هل تظنون بأن «عوامل التصحر» مقتصرة على التضاريس، بحيث هي فقط التي تتشكل بفعل عوامل التعرية أو عمليات الجرف أو السيول؟!أبداً الإنسان أكثر تشكلاً من التضاريس نفسها، يمكنه أن يتغير تشكله خلال يوم كامل بساعاته الأربع والعشرين، يمكنه أن يتغير في قناعاته وتفكيره وتصرفاته واندفاعه مع كل يوم يمضي عليه.لذلك، مفيد جداً أن تختلي بنفسك في أوقات معينة، لتفكر وتسترجع شريط ذكرياتك وخبراتك، وأن تضع أمامك ورقة وقلماً وتحاول رسم معادلات بسيطة جداً، مبنية على معايير الصواب والخطأ، وما تعلمته من كل تجربة.اسأل نفسك، ماذا علمتني الحياة، وسجل الدروس، وضع خانتين، واحدة للاستفادة الإيجابية من الخبرة التي مررت بها، وأخرى لما كان لها من آثار سلبية وتداعيات غير محببة.هذه المعادلة توصلك لمعرفة مكمن الأخطاء، والتي قد تتمثل بقرارات خاطئة، تصرفات غير سليمة، ردود أفعال متهورة، وغيرها. الأمر الذي يكشف لك بسهولة أين أخفقت، وفي ماذا نجحت، وفي النهاية تشكل لك خارطة طريق خاصة بك، تسهم في صناعة شخصيتك، وتعديل سلوكياتك وأساليب حياتك، مما يمنعك عن تكرار الأخطاء، أو يجعل تصرفاتك وسلوكياتك وقراراتك أكثر نضجاً.ماذا علمتني الحياة، بحلوها ومرها، بقساوتها ورخائها؟! ما الذي كنت عليه قبل سنوات، وما أنا عليه الآن؟!البعض ينضج، ويتغير للأفضل، لأنه يقف وقفات مع نفسه، يبحث عن الضالة التي تشغل باله، والتي تتلخص في مساعي التحول لشخص أفضل. والبعض في المقابل يسير بنفس الخطى والنمط، لن يتقدم، وإن كان محظوظاً سيظل على نفس المسار والرتم، يقوم بنفس التصرفات، عقليته تثبت عند درجة معينة، لكن الأخطر أن يتدهور للأسوأ.إن كنت سأضرب أمثلة هنا فلن انتهي، وسأحتاج لصفحات وصفحات، فلكل منا قصة حياته، ولكل منا تجاربه، وكل شخص فيكم لو تذكر المواقف والخبرات سيدرك بأنها تعلم منها شيئاً، وغيرت فيه أشياء، وأنه ليس الشخص الذي كان عليه سابقاً.الأمور التي تغيرك في الحياة، هي التي تقودك لتقرير كثير من الأمور، ولأنك تغيرت في كذا، فإنك ستقرر كذا وكذا، وهكذا دواليك.اتجاه معاكس:من الأمور التي تعلمتها في الحياة، وكان لوالدي حفظه الله وأطال في عمره الفضل الكبير فيها، درس القناعة، قال لي في بدايات عملي، بأن نجاحك لا يعني فشل الآخرين، ونجاحهم لا يعني فشلك، كل يكتب قدره بجهده وعمله. هذا الدرس حينما تمثلت به أدركت بأنه يصنع لك لـ«السلام الداخلي» و«التصالح مع الذات»، وبعدها يصبح كل أمر آخر في عراكات هذه الدنيا ومشاعر الغيرة والحسد، أمراً صغيراً جداً.