أصبحت غالبية المناطق السكنية -القديم منها على وجه الخصوص- تعجّ وتغصّ بالسيارات مما يشكل هذا الأمر ضغطاً رهيباً على الشوارع ومواقف السيارات خصوصاً لقاطني تلكم المناطق. الناس القاطنة وحتى تتخلص من شُحِّ المواقف أخذت تكتب على جدران منازلها «ممنوع الوقوف»، والبعض الآخر استبدلوا هذه العبارة بصورة عملية مختلفة فهمُّوا بوضع حواجز وزراعة أعمدة صغيرة وسلاسل كلها من حديد أمام منازلهم لحجز مواقف خاصة لسياراتهم. هذه المناظر نجدها اليوم في كافة مناطق البحرين، حتى باتت بعض الشوارع مسيَّجة بالطول والعرض بهذه الأعمدة التي لا تسمح لك بالوقوف لدقيقة واحدة. بل إن كل عمود حديدي مزروع في الشارع يخبرك أن هذا الموقف ملك لصاحب المنزل وليس من ممتلكات البلديات، وفي حال وقفتَ مضطراً أمام منزل كتُبَ عليه «ممنوع الوقوف» ستجد نفسك في «خناقة» أو سوف تجد سيارتك معطوبة أو مهشّمة بسبب مخالفتك الوقوف في مكان يعتبر ملك الدولة وليس «للمواطن الزَّعلان» مع الأسف الشديد!

في الوقت الذي لا نستطيع أن نلوم المواطنين بحجز المواقف المقابلة لمنازلهم بسبب شُحّ تلكم المواقف خصوصاً في المنامة والمحرق وبعض القرى ذات الشوارع الضيقة جداً إلا أننا لا نستطيع تقبل هذا الفعل المخالف للقانون وربما الذوق، فإمَّا أن يكون هذا السلوك مقبولاً وفق القانون وإلا لا يجوز استملاك الشوارع ومواقف السيارات التي تعود ملكيتها للدولة، باعتبارها من المنافع العامة التي يجوز لكل مواطن أن يستفيد منها.

نحن نطالب الدولة بإيجاد مواقف كافية لقاطني المناطق القديمة وغيرها من المناطق الضيقة التي تعاني من شحّ المواقف بصورة قانونية ومنظمة ولو باستملاك بعض الأراضي، لكن، أن يقوم الناس أنفسهم بحجز الشارع بالكامل وتملّكهُ لأجل أن يركنوا سياراتهم وسيارات ذويهم وضيوفهم ومن يعزُّ عليهم فهذه فوضى ليس بعدها فوضى، وهذا لا ينسجم وقانون البلديات الذي يؤكد وفق الدستور أن الشارع من الممتلكات العامة وليس الخاصة.

قامت البلديات مؤخراً بإزالة الكثير من الحواجز الحديدية التي يضعها المواطنون وغيرهم أمام منازلهم بصورة عشوائية وغير قانونية، كما أنها أزالت الكثير من «العَرَشَات» والمظلات المخالفة لتعيد للنظام هيبته وللقانون مكانته، إذ لا يصح أن يسيِّج صاحب المنزل من الجهات الثلاث وربما من الجهات الأربع كافة الشوارع المحيطة بمنزله لحجز مواقف متعددة لسياراته وسيارات من يحب، في الوقت الذي يحتاج بعض الجيران أو من لهم حاجة ملحة للوقف لدقائق معدودات لقضاء بعض المسؤوليات لكنهم يجدون أن كل المواقف باتت مملوكة لقاطني المنطقة حين كتبت على كل الجدران «ممنوع الوقوف».

قد نعذر أصحاب المنازل مثلاً حين يقف أحدهم على بواباتها بشكل غير لائق فيسدّ كل منفذ ممكن للخروج أو الدخول لتلكم المنازل، ويحق هنا لصاحب المنزل أن يقدم شكوى للجهات المعنية لاتخاذ الإجراء المناسب، لكن ليس من حقه حَجْز بقية الشوارع المحيطة بمنازلهم تحت ذريعة «ما في بارك».

العملية إذاً هي عملية تنظيمية وليست عملية فرض عضلات ومخالفة القانون، وهذا ما يجب أن تقوم به البلديات بالسعي لإيجاد بعض الحلول الممكنة التي لا يمكن أن يُظلم فيها أي طرف من الأطراف. نحن نقدر الضغط على أصحاب المنازل لكننا في ذات الوقت نقدِّر حاجة بقية الناس للمواقف العامة للسيارات وليست الخاصة والتي أينما ذهبنا رأينا مكتوب عليها «ممنوع الوقوف».