للبحرين تجربة رائدة في مجال حقوق الإنسان، وحفظ حقوق البشر، تمثلت بإنشاء الأمانة العامة للتظلمات، والتي وجودها بحد ذاته يعتبر رداً على كل من يحاول الانتقاص من الملف البحريني الحقوقي، والإنجازات التي تحققت في هذا المجال.

هناك أرقام عديدة مختصة بالأمانة، نشرها يبين الكثير من الصورة الضبابية عند البعض بشأن عملية «الانتصار» لحقوق الإنسان، وصون حقوق حتى المدانين والمحكومين، والتعامل الجاد مع القضايا التي فيها سوء استخدام للسلطة.

هذا كان الهدف من إنشائها، بحيث يأمن الناس على حقوقهم، ويدركون بأن هناك جهة ستدافع عنهم وتحقق العدالة، والأهم جهة «تحقق» و«تدقق» في كل ما يردها من شكاوى وتظلمات.

طبعاً يتوجب التوضيح، بأن مسألة رفع الشكاوى تخضع لتدقيق لازم، إذ لو تم التسليم بكل ما يصل دون وجود أدلة مادية وشواهد، لوجدنا بالتالي كماً مهولاً، تضيع فيه القضايا العادلة مع محاولات بعض للاستفادة عبر التضخيم والادعاء دون سند.

فقط أورد هذا المثال لأنني أرى منظومة الأمانة العامة للتظلمات تمثل نموذجاً إيجابياً، يمكن أن تبنى عليه منظومات أخرى معنية بتظلمات وشكاوى الناس لكن في مجالات أخرى.

طبعاً حديثي واضح اتجاهه، إذ هنا أعني الشكاوى الإدارية التي يعبر عنها الناس من خلال وسائل التواصل، وبعضها تصل لعلم الصحافة وتنشرها، وبعضها يصل لمكاتب المسؤولين المعنيين بالأمور.

نعم أدرك بأن لدينا ديواناً للخدمة المدنية ينظم عملية لجان التحقيق والتقصي وحتى لجان التظلمات التي وضعت لتأخذ حقوق الموظف، وتنصفه إن وقع عليه ظلم إداري بسبب سوء الإدارة واستغلال المنصب. وأيضاً لدينا محكمة إدارية تنظر في هذه القضايا.

لكن الحق يقال بأن هناك حالات وصلتنا طوال السنوات الماضية وحتى الوقت الراهن، يتضح فيها بأن الانتصار لحقوق الموظف المظلوم عملية لا تتم بالسرعة المطلوبة، وحتى الوصول للمحاكم تعني الانتظار الذي قد يطول لسنوات، بالتالي يضيع حق الموظف، ولربما يأخذ التعويض اللازم بعد سنوات، لكن العمر مضى، والضرر النفسي وقع مع المادي أيضاً.

أيضاً لدينا خط للتبليغ عن حالات الفساد المالي، لكن التوجس السائد لدى الناس، أنه حتى لو بلغوا، هل سيتم إحقاق العدالة بالسرعة اللازمة. لسنا نقول بأن عمليات التصحيح لا تحصل، لكن الإسراع فيها ووقف الأخطاء والتجاوزات بسرعة مطلوبة هو المعيار هنا، إذ استمرار الظلم والإجحاف بحد ذاته خطأ جسيم.

الفكرة هنا بجدوى إنشاء «أمانة عامة للتظلمات الإدارية»، يمكن أن تكون ملجأ للموظفين الذين يرون أنه وقع عليهم ظلم إداري، أو أكلت حقوقهم الوظيفية، أو عانوا من سوء إدارة وتسلط من قبل المسؤولين، تقوم هذه الأمانة بالتدقيق في الشكاوى المرفوعة لها، وتتبين من خلال الأدلة، وتكون لها صلاحية طلب المستندات المطلوبة، مثلما هو الحق الذي يملكه ديوان الرقابة المالية، ومن بعدها تصدر الأمانة حكمها وقرارها، ويكون بعد دراسة توفي جميع الجوانب، وتخلص إلى الانتصار لحق الموظف المظلوم، أو تبين أن هذه القضية غير مكتملة الجوانب، أو فيها إدعاء وتجني.

مثل هذه الأمانة قد تكون منطلقا لحل كثير من القضايا الإدارية، ويرى فيها الموظفون جهة يلجأون لها، لا تكلفهم عناء الانتظار الطويل، أو التعقيدات الإدارية، ولا تفرض عليهم دفع مبالغ كبيرة للقضاء.

حبذا لو تكون هذه الأمانة تتبع مباشرة للحكومة ويشرف عليها وعلى عملها مكتب صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد، ولي العهد، نائب القائد الأعلى، النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء، وترفع التقارير مباشرة له، إذ سموه مثلما اهتم بجدية بتقارير ديوان الرقابة المالية وشكل اللجان التي تبحث الملفات المعنية فيها، الثقة بعدالة سموه واهتمامه الشديد بعمليات التصحيح وإحقاق الحق والعدالة بين الناس، ثقة كبيرة جدا.

الواقع يقول بأن لدينا كثيراً من الحالات التي ينبغي الالتفات لها والوقوف عليها، بسبب سوء الإدارة في بعض القطاعات ما يسبب الضرر على شريحة كبيرة من الموظفين، وأن الحاجة ملحة لجهاز يحقق العدالة ويستمع للناس ويحمي حقوقهم.

والله من وراء القصد.