أما بعد، فبينما كنت أتعاهد سورة الأحزاب لئلا أنساها، فممرت بما أنزل الله في شأن يهود قريظة، حين جاء الأحزاب بقضهم وقضيضهم، وأسيادهم وساقتهم، ووبشت قريش أوباشها وأحابيشها، فلما رأت قريظة الأحزاب محيطين بالمدينة ومحدقين، من فوقها ومن أسفل منها استبشرت بوعد الشيطان فنقضت العهد مع الناقضين فغدرت، وتحزبت مع الأحزاب لإسقاط دولة الإسلام فحاربت، ظانين بالله ظن السوء أن سيهلك الله المسلمين! وهيهات هيهات أن يتحقق مرادهم، إذ كان المسلمون يومئذ على قلب رجل واحد مجتمعين، وعلى أطهر علم وأصدقه بقلوبهم عاقدين، وقد أعدوا العدة والعدد أخذاً بالأسباب، وتلكم وصية العزيز الوهاب.
فلما مررت بما ذكره الله من فضله الذي أتمه على المسلمين إذ قال سبحانه وتعالى: «ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرًا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قوياً عزيزًا «25» وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقاً تقتلون وتأسرون فريقاً».
فبلغت منتهى حكاية هذه المقتلة في موضعها من سورة الأحزاب، وذلك قوله سبحانه وتعالى: «وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضاً لم تطئوها وكان الله على كل شيء قديراً».
فاستحضرت الآية التي تليها غيباً، وظننت بأن الله سيسوق بعدها ما يناسب السياق والسباق، ويكون له علاقة بتلك الآيات في قتال يهود، أو كيف تنصر الأمة ويمكن الدين في البلاد، فتعمر الأرض ويهدى العباد! أو كما هي طريقة القرآن للفصل بين الوقائع المختلفة والمتعددة بأن يأتي الله بذكر بعض أسمائه وصفاته التي تناسب المقام، أو يؤتى بتذكير للناس باليوم الآخر وما فيه من نعيم مقيم أو عذاب أليم، ونحو ذلك، وهو كثير، إذ الربط بين آيات القرآن بروابط، أو تعليق الآيات بمناسباتها وأسبابها هي طريقة قرآنية، ومثله الفصل بين الحكايات بما يستساغ وينساب، ولعل هذا كله من تيسير الله لكتابه لحفظه والقيام به، وتسهيل استذكاره.
فاستحضرت الآية بعدها لأقرأها فأتعاهدها، فظننت أن سيكون لها صلة أو مناسبة بما قبلها، من غدر يهود، فأبى علي ما أحفظه، إلا أن يكون في إثر ما سبق من آيات قول الحق تبارك وتعالى: «يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحاً جميلاً «28» وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجراً عظيماً».
ومعلوم أن كلام الله العظيم ما كان ليكون فيه حرف في غير موضعه، فضلاً عن أن يكون ذاك الخطأ في كلمة أو جملة من الكلمات والآيات، كلا وربي، فهو الحق، ولا كلام أحسن منه ولا أحكم: «أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً».
فتدبرت: ما علاقة عطف مسألة خاصة بزوجات النبي صلى الله عليه وسلم على أمر عام عظيم للأمة كلها في سلمها وحربها، وهو من صراع الأمم، فهي حرب بين المسلمين واليهود، قامت لنقض القرضيين عهدهم، فما علاقة مسألة زواج وطلاق خاصة في بيت من البيوت، بأمر الأمة جمعاء؟!
فتبين لي -بفضل الله- ما كان خافياً، وهو أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم لسن كأحد من النساء: «يا نساء النبي لستن كأحد من النساء».
فما هن؟ هن كما قال الله تبارك وتعالى عنهن: «النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم».
فهن الإيمان، وهن أمهات كل مؤمن، فمن تبرأ منهن فقد انسلخ من الإيمان -فيما لو كان من قبل مؤمناً- وهن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا والجنان، وهن حب الرحمن، لذا فلما تكلم أهل الإفك في عائشة سبح الله نفسه! ولكأن الكلام فيها كلام في ربها تبارك وتعالى:
«ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم».
وللحديث بقية.
{{ article.visit_count }}
فلما مررت بما ذكره الله من فضله الذي أتمه على المسلمين إذ قال سبحانه وتعالى: «ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرًا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قوياً عزيزًا «25» وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقاً تقتلون وتأسرون فريقاً».
فبلغت منتهى حكاية هذه المقتلة في موضعها من سورة الأحزاب، وذلك قوله سبحانه وتعالى: «وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم وأرضاً لم تطئوها وكان الله على كل شيء قديراً».
فاستحضرت الآية التي تليها غيباً، وظننت بأن الله سيسوق بعدها ما يناسب السياق والسباق، ويكون له علاقة بتلك الآيات في قتال يهود، أو كيف تنصر الأمة ويمكن الدين في البلاد، فتعمر الأرض ويهدى العباد! أو كما هي طريقة القرآن للفصل بين الوقائع المختلفة والمتعددة بأن يأتي الله بذكر بعض أسمائه وصفاته التي تناسب المقام، أو يؤتى بتذكير للناس باليوم الآخر وما فيه من نعيم مقيم أو عذاب أليم، ونحو ذلك، وهو كثير، إذ الربط بين آيات القرآن بروابط، أو تعليق الآيات بمناسباتها وأسبابها هي طريقة قرآنية، ومثله الفصل بين الحكايات بما يستساغ وينساب، ولعل هذا كله من تيسير الله لكتابه لحفظه والقيام به، وتسهيل استذكاره.
فاستحضرت الآية بعدها لأقرأها فأتعاهدها، فظننت أن سيكون لها صلة أو مناسبة بما قبلها، من غدر يهود، فأبى علي ما أحفظه، إلا أن يكون في إثر ما سبق من آيات قول الحق تبارك وتعالى: «يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحاً جميلاً «28» وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة فإن الله أعد للمحسنات منكن أجراً عظيماً».
ومعلوم أن كلام الله العظيم ما كان ليكون فيه حرف في غير موضعه، فضلاً عن أن يكون ذاك الخطأ في كلمة أو جملة من الكلمات والآيات، كلا وربي، فهو الحق، ولا كلام أحسن منه ولا أحكم: «أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً».
فتدبرت: ما علاقة عطف مسألة خاصة بزوجات النبي صلى الله عليه وسلم على أمر عام عظيم للأمة كلها في سلمها وحربها، وهو من صراع الأمم، فهي حرب بين المسلمين واليهود، قامت لنقض القرضيين عهدهم، فما علاقة مسألة زواج وطلاق خاصة في بيت من البيوت، بأمر الأمة جمعاء؟!
فتبين لي -بفضل الله- ما كان خافياً، وهو أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم لسن كأحد من النساء: «يا نساء النبي لستن كأحد من النساء».
فما هن؟ هن كما قال الله تبارك وتعالى عنهن: «النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم».
فهن الإيمان، وهن أمهات كل مؤمن، فمن تبرأ منهن فقد انسلخ من الإيمان -فيما لو كان من قبل مؤمناً- وهن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا والجنان، وهن حب الرحمن، لذا فلما تكلم أهل الإفك في عائشة سبح الله نفسه! ولكأن الكلام فيها كلام في ربها تبارك وتعالى:
«ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم».
وللحديث بقية.