قبل فترة وجيزة نشر أحد مواقع التواصل الإجتماعي خبراً مفاده تعرض أحد أطباء المراكز الطبية لاعتداء وحشي من طرف أحد المرضى بسبب عدم صرف الطبيب إجازة طبية للمريض. ليست هذه المشكلة. الكارثة الحقيقية هي في مئات الردود التي كانت تبارك وترحب بضرب الطبيب وأنه «يستاهل» ويجب أن يكون عبرة لمن يعتبر، حتى قبل أن يعرفوا طبيعة ما حدث!

حينها لم أصدق ما أقرؤه، أو أن مثل هذه الردود تصدر من شريحة كبيرة من الشباب المتعلم وفي مجتمع كمجتمع البحرين الذي عرف عنه برقيّه وسمو أخلاقه ونضجه. كمية السلبية في ردود أفعال الجمهور تجاه الاعتداء على الممارس الصحي في البحرين تعطينا مؤشراً خطيراً بأن الأمر بات «طبيعياً» للغاية، بل هناك الكثير من الأصوات التي تدعو إلى تفعيل سلوك «ضرب الأطباء» بدم بارد حتى يكون الممارس الصحي عبرة لمن يعتبر.

لا يكاد يمر أسبوع أو شهر إلا ونقرأ عن حوادث وقصص مؤسفة أبطالها المرضى وضحاياها من الأطباء والممرضين وبقية الطواقم الطبية الأخرى. ليس هذا وحسب، بل إنه وبدل أن يتعاطف الجمهور مع الضحية أخذوا يتعاطفون مع الجلاد في سلوك شاذ لم نعهده من مجتمعنا أبداً.

نحن لا نريد أن نُبرّئ ساحة كل العاملين في القطاع الصحي فنقول عنهم بأنهم ملائكة لا يخطِئون، ولا نريد أن نقول بأن كل من يعمل في هذا الحقل الإنساني يمارسون دورهم المهني بحرفية وإتقان، فهؤلاء مجموعة من البشر مثلنا وربما يمارسون بعض الأخطاء والهفوات في فترات عملهم وربما أيضاً يقصِّرون في أداء واجبهم، لكن، أن يشرّع المجتمع لشريعة الضرب في المرافق الصحية أو يجيز لنفسه سن سلوكيات شاذة كالاعتداء على الطواقم الطبية فهذا لا يجوز ولا يليق ولن نقبل به كمجتمع متعلم. أمَّا في حال صدرت بعض الممارسات الخاطئة من طرف بعض الأطباء ومن يعمل في المجال الصحي فإن قنوات بث الشكاوى للجهات المعنية كثيرة للغاية وبالتالي يجب أن يلجأ المتضرر إلى الاحتكام صوب القانون لاستعادة حقه دون الحاجة لممارسة أساليب خاطئة ومتخلفة كالضرب والشتم والإهانة، فنحن لسنا في غابة.

إننا في الحقيقة نطالب بإنزال أقصى العقوبات على كل من يقوم بالاعتداء الجسدي واللفظي على الطواقم الطبية والصحية في مستشفياتنا ومراكزنا الصحية، العامة منها والخاصة، كما نطالب بسن تشريعات وقوانين جديدة تحمي العاملين في هذا المجال من كافة أشكال الاعتداء. وبموازاة ذلك، يجب أن تقام حملات توعوية قوية للجمهور لتعريفهم بدور الممارس الصحي وما يبذله من جهود كبيرة في هذا المجال الإنساني لتخفيف آلام المرضى قدر المستطاع، على الرغم من الظروف القاهرة التي يمر بها كحرمانه من الراحة والنوم والعمل طوال دوامه في أجواء ضاغطة للغاية. لمعرفة هذا الحجم من المعاناة التي يعيشها الممارس الصحي فما عليكم سوى زيارة قسم الطوارئ بمجمع السلمانية الطبي لمدة ساعة من الزمن أو زيارة بقية الأجنحة بذات المجمع، وكذلك أخذ جولة في المراكز الصحية التي لا يستطيع فيها الممارس الطبي من أن «يحك شعره» بسبب ضغط العمل لمعرفة كيف تعيش هذه الفئة المحترمة حياتها ومعاناتها العملية كل يوم. في الحقيقية يجب أن نقدم شكرنا وباقة من زهور لكل ممارس صحي يعمل في مشافي مملكة البحرين بدل إهانتهم بطريقة لا تخلو من سوء التربية والخلق.