عاصفة من الجدل والانتقادات تجتاح لبنان على خلفية ما يعرف إعلامياً باسم «مرسوم التجنيس الخفي»، وهو المرسوم الرئاسي الذي يمنح الجنسية اللبنانية لعشرات الأشخاص، لاسيما أثرياء سوريون وفلسطينيون وعراقيون، مقربون من النظام السوري، بل ومن الحلقة الضيقة لرئيس النظام بشار الأسد، الأمر الذي أثار غضباً كبيراً وجدلاً واسعاً في الأوساط السياسية في البلاد. وتعد قضية التجنيس في لبنان إشكالية كبرى لاسيما وأنها مرتبطة بالتغير الديمغرافي وتغيير الميزان الطائفي في البلاد، كما أن المرسوم الخفي الذي أقر مؤخراً أعاد إلى الأذهان المرسوم الذي صدر في عام 1994 في ظل الهيمنة السورية على لبنان لتجنيس آلاف الأشخاص، والذي فجر أزمة كبيرة وقتها.
ومنذ صدور مرسوم التجنيس في 11 مايو الماضي بعدما وقعه الرئيس اللبناني ميشال عون، بدأت تسريبات في وسائل الإعلام اللبنانية تتحدث عن لائحة تضم المئات من جنسيات مختلفة بينهم سوريون وفلسطينيون وعراقيون. ومن أبرز تلك الشخصيات أسماء رجال أعمال معروفين منهم سوريون من الدائرة المقربة من النظام، وبينهم خلدون الزعبي، نائب رئيس مجلس إدارة شركة «أمان القابضة»، وعائلة وزير التعليم العالي السوري السابق هاني مرتضى «2003-2006» الذي يتولى شؤون «مقام السيدة زينب» والمؤتمن على تسليم التمويل الإيراني إلى النظام السوري، وسامر فوز، الذي يوصف بأنه الذراع الاقتصادية للأسد و«رامي مخلوف الجديد»، إضافة إلى رجل الأعمال السوري المعروف فاروق جود، صاحب شركات ومعامل عدة في قطاعات الأغذية والفولاذ والمطاحن، حيث تم تجنيس أبنائه الثلاثة، ومن ثم يستطيع فتح شركة للعائلة في لبنان، وسامر يوسف مدير إذاعة «شام إف إم» الداعِمة لنظام الأسد.
وفي حين يواجه رئيس الوزراء اللبناني المكلف سعد الحريري معضلة تشكيل الحكومة الجديدة، يجد نفسه أمام مأزق سياسي جديد، وضعه المرسوم الرئاسي «الخفي»، الذي يُؤزم المُؤزَّم، لاسيما وأنه وقع على المرسوم الى جانب رئيس الجمهورية ميشال عون ووزير الداخلية نهاد المشنوق قبيل استقالة الحكومة، حيث يملك رئيس الجمهورية صلاحية منح الجنسية اللبنانية وحده بموجب مرسوم يشترك معه في التوقيع عليه رئيس الحكومة ووزير الداخلية.
ولعل ما أثار الغضب والمخاوف في لبنان أن التسريبات احتوت على أسماء سورية تخضع لعقوبات دولية كونها مقربة من نظام الاسد، لذلك غمز البعض من قناة أنه ربما تكون الجنسية اللبنانية بوابة الهروب لتلك الشخصيات من العقوبات الدولية المفروضة جراء ارتباطهم بنظام دمشق، ومن ناحية اخرى، تثير اللائحة الشكوك حول تورط شخصيات مدرجة فيها، ضمن قضايا فساد كبيرة وعلى مستوى دولي.
لذلك تحت ضغط اجواء الغضب والاستياء والانتقادات الحادة، لم يجد الرئيس عون بدا من احالة المرسوم الذي صدر ويعتبر نافذا الى المديرية العامة للأمن العام للتحقق من حق الأشخاص الواردة أسماؤهم بالحصول على الجنسية اللبنانية، حيث «طلب من كل من يملك معلومات أكيدة بشأن أي شخص مشمول بالمرسوم ولا يستحق الجنسية اللبنانية، التوجه بمعلوماته الى المديرية العامة للأمن العام بوزارة الداخلية للاستثبات»، وفقا لبيان الرئاسة اللبنانية. وهذا ما يفسر لهجة تصريحات المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم الذي تسلّم نسخة من المرسوم تمهيداً لبدء مهمة التدقيق فيه حيث أكد أنه «سيُجري تحقيقاً في كل الأسماء الواردة فيه وإذا كانت هناك شوائب في المرسوم فلتصحح وسيحصل على الجنسية مّن هو مؤهل. ومنذ البداية كان يجب أن يمر المرسوم عبر الأمن العام».
وتشير تقارير اعلامية لبنانية الى ان النسخة التي تسلّمها المدير العام للأمن العام، أزيلت منها بعض الأسماء وبينهم سامر فوز، الذي طالب «بسحب اسمه من جداول المشمولين بمرسوم التجنيس»، مع أن اسمه لم يكن وارداً في جدول المرسوم!
لذلك انتفض معارضي مرسوم «التجنيس الخفي»، وفي مقدمتهم، حزب «القوات اللبنانية» وحزب «الكتائب» و«الحزب التقدمي الاشتراكي»، موضحين أن «المرسوم يبيع لبنان للنظام السوري»، ومؤكدين أن «الجنسية اللبنانية لن تكون سلعة تباع مقابل الأموال للقتلة ولكبار معاوني القتلة»، في اشارة الى نظام الأسد.
وبالتأكيد لم يكن ينقص لبنان الذي يواجه مشاكل سياسية واقتصادية جمة، ذلك المرسوم الذي اثار الاحتقان في الفترة الاخيرة، لاسيما وأنه تجاهل آلاف الأشخاص ساقطي «مكتومي» القيد، وآلاف الأمهات اللبنانيات المتزوجات من أجانب والممنوعات من حصول أولادهن على الجنسية.
ومن المعلوم أن ساقطي «مكتومي» القيد في لبنان هم أشخاص غير مسجلين لدى الحكومة، ويعملون بشكل غير رسمي ولا يملكون حق التملك، ولا يحملون سوى ورقة تعريف من «المختار» برغم أنهم يعيشون منذ عشرات السنين في لبنان، فيما يتراوح عددهم، بين 40 و60 ألفا يعيش معظمهم في مناطق فقيرة نائية، وفقا وفق لدراسة أجرتها جمعية «رواد الحقوق» المختصة بقضايا ساقطي «مكتومي» القيد.
لذلك ذهب مراقبون ومحللون إلى أن المرسوم الرئاسي ربما يكون العصا التي ستعيق تشكيل الحكومة الجديدة في لبنان، على وقع ازمات اقتصاية وسياسية لا تعد ولا تحصى.
* وقفة:
كأن قدر لبنان أن يعيش أزمات تلو أزمات وآخرها مرسوم «التجنيس الخفي» الذي يؤزم الأوضاع ويعيق تشكيل حكومة تواجه في الأساس معضلات إقليمية ودولية!!
{{ article.visit_count }}
ومنذ صدور مرسوم التجنيس في 11 مايو الماضي بعدما وقعه الرئيس اللبناني ميشال عون، بدأت تسريبات في وسائل الإعلام اللبنانية تتحدث عن لائحة تضم المئات من جنسيات مختلفة بينهم سوريون وفلسطينيون وعراقيون. ومن أبرز تلك الشخصيات أسماء رجال أعمال معروفين منهم سوريون من الدائرة المقربة من النظام، وبينهم خلدون الزعبي، نائب رئيس مجلس إدارة شركة «أمان القابضة»، وعائلة وزير التعليم العالي السوري السابق هاني مرتضى «2003-2006» الذي يتولى شؤون «مقام السيدة زينب» والمؤتمن على تسليم التمويل الإيراني إلى النظام السوري، وسامر فوز، الذي يوصف بأنه الذراع الاقتصادية للأسد و«رامي مخلوف الجديد»، إضافة إلى رجل الأعمال السوري المعروف فاروق جود، صاحب شركات ومعامل عدة في قطاعات الأغذية والفولاذ والمطاحن، حيث تم تجنيس أبنائه الثلاثة، ومن ثم يستطيع فتح شركة للعائلة في لبنان، وسامر يوسف مدير إذاعة «شام إف إم» الداعِمة لنظام الأسد.
وفي حين يواجه رئيس الوزراء اللبناني المكلف سعد الحريري معضلة تشكيل الحكومة الجديدة، يجد نفسه أمام مأزق سياسي جديد، وضعه المرسوم الرئاسي «الخفي»، الذي يُؤزم المُؤزَّم، لاسيما وأنه وقع على المرسوم الى جانب رئيس الجمهورية ميشال عون ووزير الداخلية نهاد المشنوق قبيل استقالة الحكومة، حيث يملك رئيس الجمهورية صلاحية منح الجنسية اللبنانية وحده بموجب مرسوم يشترك معه في التوقيع عليه رئيس الحكومة ووزير الداخلية.
ولعل ما أثار الغضب والمخاوف في لبنان أن التسريبات احتوت على أسماء سورية تخضع لعقوبات دولية كونها مقربة من نظام الاسد، لذلك غمز البعض من قناة أنه ربما تكون الجنسية اللبنانية بوابة الهروب لتلك الشخصيات من العقوبات الدولية المفروضة جراء ارتباطهم بنظام دمشق، ومن ناحية اخرى، تثير اللائحة الشكوك حول تورط شخصيات مدرجة فيها، ضمن قضايا فساد كبيرة وعلى مستوى دولي.
لذلك تحت ضغط اجواء الغضب والاستياء والانتقادات الحادة، لم يجد الرئيس عون بدا من احالة المرسوم الذي صدر ويعتبر نافذا الى المديرية العامة للأمن العام للتحقق من حق الأشخاص الواردة أسماؤهم بالحصول على الجنسية اللبنانية، حيث «طلب من كل من يملك معلومات أكيدة بشأن أي شخص مشمول بالمرسوم ولا يستحق الجنسية اللبنانية، التوجه بمعلوماته الى المديرية العامة للأمن العام بوزارة الداخلية للاستثبات»، وفقا لبيان الرئاسة اللبنانية. وهذا ما يفسر لهجة تصريحات المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم الذي تسلّم نسخة من المرسوم تمهيداً لبدء مهمة التدقيق فيه حيث أكد أنه «سيُجري تحقيقاً في كل الأسماء الواردة فيه وإذا كانت هناك شوائب في المرسوم فلتصحح وسيحصل على الجنسية مّن هو مؤهل. ومنذ البداية كان يجب أن يمر المرسوم عبر الأمن العام».
وتشير تقارير اعلامية لبنانية الى ان النسخة التي تسلّمها المدير العام للأمن العام، أزيلت منها بعض الأسماء وبينهم سامر فوز، الذي طالب «بسحب اسمه من جداول المشمولين بمرسوم التجنيس»، مع أن اسمه لم يكن وارداً في جدول المرسوم!
لذلك انتفض معارضي مرسوم «التجنيس الخفي»، وفي مقدمتهم، حزب «القوات اللبنانية» وحزب «الكتائب» و«الحزب التقدمي الاشتراكي»، موضحين أن «المرسوم يبيع لبنان للنظام السوري»، ومؤكدين أن «الجنسية اللبنانية لن تكون سلعة تباع مقابل الأموال للقتلة ولكبار معاوني القتلة»، في اشارة الى نظام الأسد.
وبالتأكيد لم يكن ينقص لبنان الذي يواجه مشاكل سياسية واقتصادية جمة، ذلك المرسوم الذي اثار الاحتقان في الفترة الاخيرة، لاسيما وأنه تجاهل آلاف الأشخاص ساقطي «مكتومي» القيد، وآلاف الأمهات اللبنانيات المتزوجات من أجانب والممنوعات من حصول أولادهن على الجنسية.
ومن المعلوم أن ساقطي «مكتومي» القيد في لبنان هم أشخاص غير مسجلين لدى الحكومة، ويعملون بشكل غير رسمي ولا يملكون حق التملك، ولا يحملون سوى ورقة تعريف من «المختار» برغم أنهم يعيشون منذ عشرات السنين في لبنان، فيما يتراوح عددهم، بين 40 و60 ألفا يعيش معظمهم في مناطق فقيرة نائية، وفقا وفق لدراسة أجرتها جمعية «رواد الحقوق» المختصة بقضايا ساقطي «مكتومي» القيد.
لذلك ذهب مراقبون ومحللون إلى أن المرسوم الرئاسي ربما يكون العصا التي ستعيق تشكيل الحكومة الجديدة في لبنان، على وقع ازمات اقتصاية وسياسية لا تعد ولا تحصى.
* وقفة:
كأن قدر لبنان أن يعيش أزمات تلو أزمات وآخرها مرسوم «التجنيس الخفي» الذي يؤزم الأوضاع ويعيق تشكيل حكومة تواجه في الأساس معضلات إقليمية ودولية!!