أصابت صحيفة «الوطن» كبد الحقيقة حين كتبت «بالأحمر» عن معاناة التاجر البحريني الصغير في سوق شرس تتحكم فيه قواعد اللعبة التجارية العالمية التي لا تعلو عليها كلمة سوى كلمة أساطين المال ومتنفذيه. قالت «الوطن» بالأحمر إن «صغار التجار من أبرز شرايين الاقتصاد الوطني.. السعي لرفع مستوياتهم وتذليل العقبات التي تعصف ببعضهم خارج السوق توجه صحيح يستحق التقدير» انتهى.

لا توجد جهة يمكن لها أن تحمي التاجر البحريني الصغير من تلاطم أمواج السوق وتداعياته الخطيرة وتقلباته سوى الدولة بمعية غرفة تجارة وصناعة البحرين. ويمكن التعويل أيضاً على مجلس النواب الذي يمكن له أن يقوم أعضاؤه بتشريعات تحمي تاجرنا البحريني الصغير. فالسوق الشرس بات قاسياً للغاية، وهو الذي بإمكانه أن يقذف بالتاجر بعيداً عن تأمين تجارته فضلاً عن تأمين مستقبله.

هناك جملة من التحديات التي تواجه التاجر البحريني في السوق، لعل من أبرزها هو انحسار وجوده في ظل هيمنة الأجانب والمافيات الآسيوية على مفاصل السوق بشكل واضح. عدم وجود قوانين وتشريعات تحميه وتفضّله وتقدّمهُ على بقية التجار الأجانب. محاولة التجار الأجانب مزاحمة ومضايقة البحريني في السوق «وتطفيشه» لأجل أن يرحل عنه. وأخيراً، تعاقب الأزمات المالية والإقتصادية التي أرهقت السوق وكذلك سوء حظ التاجر البحريني الذي ليس له أي مداخيل أخرى سوى متجره الصغير وبضاعته المتواضعة.

هذه بعض العوامل والأسباب التي جعلت التاجر البحريني لا يثق بكل المحاولات الخجولة لإنقاذه، وعليه بات يقاوم بيأس كل محاولات تغريبه وعزله عن السوق لكن دون جدوى. ومن هنا وجب تدخل الدولة بشكل مباشر لحمايته بعد أن أغلق مئات البحرينيين متاجرهم الصغيرة حتى صارت البنوك تطاردهم في المحاكم بسبب عدم استطاعتهم الوفاء بمستحقاتهم المالية، وبعضهم وجدوا أنفسهم في تيه القروض القاسية وهي تغرز مخالبها في جيوبه الخالية أصلاً!

من هنا يكون لزاماً ووفاء على الدولة أن تنتشل التاجر البحريني الصغير من مستنقع الديون وورطاته بعدم قدرته الوفاء بمستحقاته للجهات القارضة -وكلَّنا ثقة بها- وأن تعيد ترتيب السوق من جديد حتى يكون المواطن البحريني هو الذي يعطى الامتيازات الخاصة به مما تميِّزه عن التاجر الأجنبي. إذ لا يمكن أن تكون قوانين سوق العمل مناصفة أو مشاركة بينهما، فهذا خلاف المنطق والوطنية حتى ولو كانت متفقة مع قوانين التجارة المفضوحة والمفتوحة والضارة بكل ما هو محلي.

متاجر صغيرة أقفلت، والبقية تأتي، أمَّا من تجده يفتح متجره يوماً ويغلقه عشرة أيام أخرى فهو يعيد حساباته مع البنوك وبقية التجار الكبار وعامله الآسيوي البسيط والتزاماته المالية الخاصة بالإيجار ومستحقات الكهرباء والبلديات والماء ليغلق بعدها وهو نظيف الذمَّة في سوق لا ذِمَّة فيه. فهل سيأتي اليوم الذي ننصف فيه تاجرنا البحريني الصغير؟ أم سيظل يقاوم في بحره وحيداً حتى يغرق؟

البعض يقول، إذا كان هناك الكثير من التجار البحرينيين الكبار قد غرقوا في بحر السوق العميق، فما حال الصغار منهم! الله المستعان.