كنا ولازلنا وسنكون في سباق مع الزمن، الشمس تظهر وكأنها تطلع من الشرق وتغيب في الغرب، والحقيقة الكونية – وهذه دلائل على عظمة الله تعالى – إن الشمس تجري لمستقر لها وفي فلكها ولا تحيد عنه، وأن الأرض هي التي تدور حول محورها، وفي دورانها، هذا يعقب الليل النهار ويخلف الأول الثاني، جزءاً فجزءاً، وهكذا دواليك خلال 24 ساعة، وهناك مسار للأرض آخر على شكل بيضوي حول الشمس ينتج عنه الفصول الأربعة، أي في سنة واحدة.
هذه القاعدة الفلكية اردتها مقدمة لمقالي «المنامة أصبحت منامات ومصطلح قرية صفر على الشمال»، إذ إن الوقت والمال إذا لم نستثمرهما للنافع العام ذهبا سداً، فكما قيل الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك.
مدينة المنامة وهي حاضرة مملكة البحرين، والمدن الأخرى والقرى، شرب أجدادنا ثم آباؤنا ثم نحن من بعدهم، كانوا وكنا نقصد الينابيع الحلوة التي على السواحل، فإذا جاء المد غمرها ماء البحر، واذا حصل الجزر قصدناها لملء القرب والأواني الأخرى بالماء العذب، أما تلك التي على اليابسة فماؤها دائم الجريان، وزُرعت الأراضي التي حولها وعلى طولها وعرضها بزروع تمد السكان بالغذاء، ومجاري تلك المياه التي تبعد كثيراً عن النبع، تسمى في البحرين بالساب أو المشبر – مجرى مائي يشبه النهر الصغير يسير مسافات – وكان في المنامة فريق يسمى فريق المشبر.
ومع دخول آلات الحفر، حُفرت عدة عيون ارتوازية في عدة فرجان بالمنامة والمحرق وغيرهما، بتبرعات من أصحاب الخير في البحرين، ويطلق على تلك العيون أسماء المتبرعين تقليداً لذكراهم.
وفي كل بيت بئر نطلق عليه «جليب»، والاسم عربي، أي قليب وهذا لسان العرب في استبدال حرف بحرف آخر، ومياه تلك الآبار لا تصلح للشرب، وإنما للاستحمام وغسل الملابس وأواني الطبخ، ويطلق على تلك المياه «ماء خليج»، أي مياه مالحة نوعاً ما.
وفي أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، سعت حكومة البحرين إلى تزويد بيوت المنامة بمياه حلوة صالحة لجميع الاستعمالات ومن أهمها الشرب والطبخ، ومن بعد المنامة وصلت المياه الحلوة إلى المحرق والمدن والضواحي والقرى، واستغنى أهل البحرين عن العيون التي في الفرجان، والتي تقصد للاستحمام وغسيل الملابس.
وفي كل بيت أيضاً «بالوعة» لصرف المياه المستعملة وغيرها إلى البالوعة، ثم نزفها بطرق بدائية كلما امتلأت.
وظل هذا الحال فترة طويلة من الزمن مع أن البحرين تطورت حضارياً وبلغت شأواً متقدماً في الصحة وغير الصحة، وكانت الحاجة ماسة لإنشاء محطة لمعالجة مياه الصرف الصحي واستعماله للزراعة بدل أن يحول إلى البحر وتلويثه للتخلص منه، وأكبر محطة لمعالجة الصرف الصحي موجودة في خليج توبلي، لكن لتمدد المنامة من جميع الجهات وكذلك المحرق، اضطرت الحكومة لدفن البحر لتوفير اراضٍ للمشاريع الإسكانية والخدمات الأخرى، وصادفتنا تحديات لم تكن في الحسبان، واهمها ان معالجة مياه الصرف الصحي لا تستوعبها المحطة التي في خليج توبلي، بالإضافة إلى القرى القريبة من العاصمة والبعيدة التي صارت مدناً وفي حاجة ماسة لتلك الخدمات، وهي الصرف الصحي، ولا زلنا نرى البواليع المنتشرة في التجمعات السكنية الجديدة البعيدة عن توبلي والتي يبنيها المواطنون عن طريق شراء قسائم ومن ثم تحويلها لمساكن لهم، فلا زالت تلك المساكن تحفر بلاعات، وإضرار البلاعات لا تخفى على أحد، من أهمها الروائح الكريهة وتجمع الصراصير والفئران فيها، وتضرر البيوت بالرطوبة، أيضاً والأهم، نزف تلك البواليع بالصهاريج في أوقات متقاربة.
الكهرباء طورت نفسها، البحرين بدأت بمحطة الكهرباء التي في رأس رمان، بالمنامة، ومع التطور الحضاري، شيدت الحكومة من بعدها محطات أخرى للطاقة الكهربائية، وحديثا اتجهنا للشمس نستمد منها طاقة نظيفة ومستدامة وتوفر المال الكثير كنا غافلين عنها، وتمد – أي الشمس – دول العالم بطاقتها المستدامة مع تعاقب الليل والنهار، وفي أي جزء من أي دولة، قرُب او بعُد، دون كابلات حاملة للطاقة الكهربائية من محطات الكهرباء الرئيسية، وبلا صرف ميزانيات بالملايين، وشق الشوارع وتعطيل حركة المرور، وهذا أيضاً يحتاج إلى ملايين الدنانير لإعادة الرصيف.
المنامة التي أصبحت منامات والمحرق التي صارت محرقّات والقرى التي تحولت الى مدن، والتي تعاني من عدم وجود محطة للصرف الصحي، كوننا لا زلنا نعتمد على محطة توبلي التي غصت وشرقت بمياه المنامة وحدها، ولا يمكنها استيعاب مياه صرف صحي جديدة يأتيها من طول البلاد وعرضها، نحن الآن في أمس الحاجة إلى محطة صرف صحي في كل محافظة، محطة بحيث يؤخذ في الحسبان التطور الإنشائي والحضاري الذي لا يتوقف، بل يزداد يوماً عن يوم كلما دارت الأرض حول محورها، وستكتشفون كم من المال سنوفر جراء حفر الشوارع لمد أنابيب الصرف الصحي من باقي المحافظات الى محطة توبلي اليتيمة، على ان تكون المحطات الجديدة من السعة تدوم لأكثر من خمسين سنة دون أن يصيبها عجز، ولا لوم على أي جهة حكومية، فالتعمير مستمر، طالما ان الليل يعقبه النهار، خاصة في وقتنا المعاش، في عهد حضرة صاحب الجلالة عاهل البلاد المفدى، والحكومة الموقرة، وولي عهده الأمين، والمخلصين من أبناء الوطن، والله ولي التوفيق.
* ناشط اجتماعي، ومؤسس نادي اللؤلؤ سابقاً، وعضو مجلس بلدي سابق
هذه القاعدة الفلكية اردتها مقدمة لمقالي «المنامة أصبحت منامات ومصطلح قرية صفر على الشمال»، إذ إن الوقت والمال إذا لم نستثمرهما للنافع العام ذهبا سداً، فكما قيل الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك.
مدينة المنامة وهي حاضرة مملكة البحرين، والمدن الأخرى والقرى، شرب أجدادنا ثم آباؤنا ثم نحن من بعدهم، كانوا وكنا نقصد الينابيع الحلوة التي على السواحل، فإذا جاء المد غمرها ماء البحر، واذا حصل الجزر قصدناها لملء القرب والأواني الأخرى بالماء العذب، أما تلك التي على اليابسة فماؤها دائم الجريان، وزُرعت الأراضي التي حولها وعلى طولها وعرضها بزروع تمد السكان بالغذاء، ومجاري تلك المياه التي تبعد كثيراً عن النبع، تسمى في البحرين بالساب أو المشبر – مجرى مائي يشبه النهر الصغير يسير مسافات – وكان في المنامة فريق يسمى فريق المشبر.
ومع دخول آلات الحفر، حُفرت عدة عيون ارتوازية في عدة فرجان بالمنامة والمحرق وغيرهما، بتبرعات من أصحاب الخير في البحرين، ويطلق على تلك العيون أسماء المتبرعين تقليداً لذكراهم.
وفي كل بيت بئر نطلق عليه «جليب»، والاسم عربي، أي قليب وهذا لسان العرب في استبدال حرف بحرف آخر، ومياه تلك الآبار لا تصلح للشرب، وإنما للاستحمام وغسل الملابس وأواني الطبخ، ويطلق على تلك المياه «ماء خليج»، أي مياه مالحة نوعاً ما.
وفي أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، سعت حكومة البحرين إلى تزويد بيوت المنامة بمياه حلوة صالحة لجميع الاستعمالات ومن أهمها الشرب والطبخ، ومن بعد المنامة وصلت المياه الحلوة إلى المحرق والمدن والضواحي والقرى، واستغنى أهل البحرين عن العيون التي في الفرجان، والتي تقصد للاستحمام وغسيل الملابس.
وفي كل بيت أيضاً «بالوعة» لصرف المياه المستعملة وغيرها إلى البالوعة، ثم نزفها بطرق بدائية كلما امتلأت.
وظل هذا الحال فترة طويلة من الزمن مع أن البحرين تطورت حضارياً وبلغت شأواً متقدماً في الصحة وغير الصحة، وكانت الحاجة ماسة لإنشاء محطة لمعالجة مياه الصرف الصحي واستعماله للزراعة بدل أن يحول إلى البحر وتلويثه للتخلص منه، وأكبر محطة لمعالجة الصرف الصحي موجودة في خليج توبلي، لكن لتمدد المنامة من جميع الجهات وكذلك المحرق، اضطرت الحكومة لدفن البحر لتوفير اراضٍ للمشاريع الإسكانية والخدمات الأخرى، وصادفتنا تحديات لم تكن في الحسبان، واهمها ان معالجة مياه الصرف الصحي لا تستوعبها المحطة التي في خليج توبلي، بالإضافة إلى القرى القريبة من العاصمة والبعيدة التي صارت مدناً وفي حاجة ماسة لتلك الخدمات، وهي الصرف الصحي، ولا زلنا نرى البواليع المنتشرة في التجمعات السكنية الجديدة البعيدة عن توبلي والتي يبنيها المواطنون عن طريق شراء قسائم ومن ثم تحويلها لمساكن لهم، فلا زالت تلك المساكن تحفر بلاعات، وإضرار البلاعات لا تخفى على أحد، من أهمها الروائح الكريهة وتجمع الصراصير والفئران فيها، وتضرر البيوت بالرطوبة، أيضاً والأهم، نزف تلك البواليع بالصهاريج في أوقات متقاربة.
الكهرباء طورت نفسها، البحرين بدأت بمحطة الكهرباء التي في رأس رمان، بالمنامة، ومع التطور الحضاري، شيدت الحكومة من بعدها محطات أخرى للطاقة الكهربائية، وحديثا اتجهنا للشمس نستمد منها طاقة نظيفة ومستدامة وتوفر المال الكثير كنا غافلين عنها، وتمد – أي الشمس – دول العالم بطاقتها المستدامة مع تعاقب الليل والنهار، وفي أي جزء من أي دولة، قرُب او بعُد، دون كابلات حاملة للطاقة الكهربائية من محطات الكهرباء الرئيسية، وبلا صرف ميزانيات بالملايين، وشق الشوارع وتعطيل حركة المرور، وهذا أيضاً يحتاج إلى ملايين الدنانير لإعادة الرصيف.
المنامة التي أصبحت منامات والمحرق التي صارت محرقّات والقرى التي تحولت الى مدن، والتي تعاني من عدم وجود محطة للصرف الصحي، كوننا لا زلنا نعتمد على محطة توبلي التي غصت وشرقت بمياه المنامة وحدها، ولا يمكنها استيعاب مياه صرف صحي جديدة يأتيها من طول البلاد وعرضها، نحن الآن في أمس الحاجة إلى محطة صرف صحي في كل محافظة، محطة بحيث يؤخذ في الحسبان التطور الإنشائي والحضاري الذي لا يتوقف، بل يزداد يوماً عن يوم كلما دارت الأرض حول محورها، وستكتشفون كم من المال سنوفر جراء حفر الشوارع لمد أنابيب الصرف الصحي من باقي المحافظات الى محطة توبلي اليتيمة، على ان تكون المحطات الجديدة من السعة تدوم لأكثر من خمسين سنة دون أن يصيبها عجز، ولا لوم على أي جهة حكومية، فالتعمير مستمر، طالما ان الليل يعقبه النهار، خاصة في وقتنا المعاش، في عهد حضرة صاحب الجلالة عاهل البلاد المفدى، والحكومة الموقرة، وولي عهده الأمين، والمخلصين من أبناء الوطن، والله ولي التوفيق.
* ناشط اجتماعي، ومؤسس نادي اللؤلؤ سابقاً، وعضو مجلس بلدي سابق