أسباب عديدة تحول دون اتخاذك قراراً أو موقفاً تجاه قضية ما. منها تركيبتك الشخصية التي قد تنأى بك عن المشكلات والمواجهات. ومنها ألا تكون مهتماً بالموضوع ولا مؤمناً بالقضية. ومنها كذلك، مقدار الضرر الذي قد تتكبده جراء المواقف التي قد تتخذها. فمواقفنا، عامة، هي اندفاع عاطفي، لكنها تخضع، في الوقت نفسه، لحساباتنا العقلية التي تصيب استناداً إلى دروس التجارب السابقة. وقد تخيب، أيضاً، نتيجة عدم اعتبارنا بالمتغيرات حولنا.

وأسوأ أنواع الشخصيات الانتهازية هم الذين يتصدرون المشهد في كل أزمة على منصات القيم. ستراهم يبرزون في كل مشكلة خطباء وواعظين. وستجدهم يتقدمون الصفوف حاملين الشعارات. ولكن.... سيدفع الجميع ثمن موقفه ويتحملون المسؤولية ويعود الانتهازيون سالمين إلى منازلهم حاملين شعاراتهم وقيمهم معهم لاستخدامها في المرات القادمة.

أغلب هؤلاء ستنقب في تفاصيل حياتهم الشخصية، فتجدهم غير مطبقين لشعاراتهم. فهم لا يتورعون عن فعل أي شيء للحصول على مكاسب. بعضهم لا يؤمن بالحرية إلا له وحدة ولجماعته. ولا يقبل بمساواته إلا مع من يرتضي. ولا يدافع إلا عن حقوق من تربطهم به علاقة. ومع ذلك فإن هؤلاء لا يخجلون من اعتلاء موجات الأزمات والمشكلات ليطرحوا أنفسهم أصحاب مبادئ وقيم وأصحاب مواقف دون أن يشتبكوا مع الأزمة نفسها ودون أن يتقاسموا تبعات المشكلات مع أصحابها. ولهذا... فعليك ألا تفاجأ أبداً إذا انتهى بهم المطاف للانسحاب في وقت تكتيكي دقيق وإعلان البراءة من المواقف السابقة والتحول سريعا إلى ضفة أخرى.

الأشخاص الذين اعتادوا على جني المكاسب في السراء والضراء لا تخلو سلوكياتهم من التناقض. وتبدأ تناقضاتهم في الربط بين الشكل والمضمون. فعلى سبيل المثال ستجد التناقض كبيرا بين مظهر رجل دين يرتدي عباءة ثمينة ويركب سيارة فخمة ويسكن في بيت فاره، ثم يجلس بين بسطاء الناس ليعظهم في الزهد وأفضاله وأسبقية الفقراء في دخول الجنة يوم القيامة. وستجد مثقفاً يكتب ويحاضر عن قضايا العدالة الاجتماعية والاستحقاقات العامة للمواطنين، لكنه «يسلك» كل أموره عبر العلاقات الشخصية وعن طريق أصحاب النفوذ.

أمثال هؤلاء يغنمون ما يريدون من الحياة، ويكسبون، في الوقت ذاته، دعاية اجتماعية تمنحهم بطولات كاذبة، وجماهيرية زائفة، ولا يلبث كل ذلك أن يزول عند أول هزة تعتري قوانين اللعبة التي اعتادوا عليها.

من أجل ذلك، عزيزي القارئ، احذر المنافقين، وانتبه لمن لا يدل حاله ومآله على مقاله، وتعلم كيف تفك «شفرة» الخطاب ذي الدلالتين، وكيف تقرأ الشخصية ذات الشريحتين. واعلم أن صاحب الشأن هو المؤمن بقضيته وليس المطل عليها من برج عال. ومن آمن بقضية وتصدر مواقفها فلن يكسب عليه تحمل تبعاتها ودفع ضريبتها.