يوم أمس وصلني رابط إلكتروني لـ«صورة انفوجرافية» منشورة في أحد الحسابات المتخصصة بـ«فنون الإدارة» على تطبيق «الانستغرام».

سأورد لكم أولاً ما تضمنته الصورة هنا من رأي معني بـ«المشكلات والحلول»، إذ تنشر الصورة على لسان «ستيفن كوفي»، وهو رجل أعمال أمريكي ومحاضر وأحد المتحدثين الملهمين، قوله:

إذا نقلت المشكلة إلى مديرك فأنت «مراسل».

وإذا نقلتها مع اقتراح حل فأنت «مستشار».

أما إذا نقلتها وقد بادرت إلى حلها، فأنت «قائد».

شخصياً، أتفق تماماً مع هذه النظرية الإدارية البسيطة، والمعنية بـ«طرائق حل المشكلات»، رغم أنني أرى بأن تحديد المشكلة، والتنبيه لوجودها ليست خطأ، باعتبار أن الخطأ هو رؤية المشكلة لكن مع غض الطرف عنها، أو عدم الإبلاغ للجهات العليا، إذ إنك بالتالي تكون شريكاً في المشكلة، من خلال صمتك الذي يعني قبولك بها، حتى لو كنت رافضاً لها، لكن سكوتك هو موافقة مبدأية، أقول إن التنبيه لوجود المشكلة أمر جيد، لكن الأفضل منه هو إقرانها بـ«حل» تفكر فيه، أو تبتكره، وتعرضه على صاحب القرار، إذ عملية تحديد المشاكل «سهلة جداً»، وكل شخص يمكنه أن يصنع لنفسه كوب شاي ساخن، ويتكئ على أريكة مريحة، وبعدها تفضل افتح «رشاش الانتقادات» ولن يتوقف لأن الكلام بـ«بلاش»، لكن اطلب من كثيرين كهذه النوعية طرح الحلول، أو أقلها إقران حل مع كل مشكلة يشيرون لها، هنا ستكتشف من هو الذي يفكر في الحل بالتزامن مع تفكيره مع المشكلة، ومن يتعامل مع المشكلة وكأنها حادث تصادم بين سيارتين، فيقوم بالاتصال بالمرور للتبليغ، ثم يمضي في طريقه، وكأن لا شيء يعنيه، أقلها الانتظار لمعرفة مدى الأضرار!

لذلك من يشير للمشكلة ويأتي بحل، هذا شخص متقدم عن النوع الأول، لكن الأفضل طبعاً هو القيام بحل المشكلة، وهنا نتحدث تحديداً عن الشريحة التي تمتلك صلاحية اتخاذ القرار، باختلاف كبر حجمه وباختلاف المواقع الوظيفية، هؤلاء هم من يحسمون المشكلة وينهونها لو اتخذوا إجراءات صحيحة.

ورغم كل هذا الكلام أعلاه، إلا أنه لا يتعلق بالموضوع الذي أود التطرق إليه، إذ ما استهواني في لـ«الصورة الإنفوجرافية» المنشورة، والتي تتضمن هذه النظرية الإدارية البسيطة لـ«ستيفن كوفي»، هي تعليقات متابعي الحساب على «الإنستغرام». تعليقات الناس بحد ذاتها تمثل «تشخيصاً» لواقع معاش، التعليقات تبين لك «الواقع والحقيقة» بين النظرية الإدارية وبين التطبيق الفعلي على أرض الواقع.

عشت مع التعليقات لدقائق وأنا أستوعب حالة «التدهور الإداري» الذي نعاني منه في كثير من قطاعاتنا، والتي فيها تغيرت نظرة الموظفين للمسؤول، وبات تقديم «الشك» أولاً على «الثقة»، ولعلكم تستوعبون ما أعنيه حينما أنشر بعض النماذج لتعليقات تحت الصورة، وهي كالآتي:

«طيب في ناس بتنقلها لمجرد الفتنة، في (...) نسميهم عصفورة»

«وإن حليتها، بس المدير مش مقتنع بأنك حليتها، حتلبس خازوق»!!

«علشان المدير ينهبل، ويقول أخذ مكاني وتعديت حدودك، وما سألتني»!

«ما في أكره من المدير المعقد»!

«وفي كل الأحوال المدير ينسب الفضل لنفسه»!

«مديري طفل بتصرفاته ما ينفع معاه شيء، الله يقلعه هو ومساعده»!

«صدق، بعض المدراء يعتبر أن ما على رأسه راس»!

هذه التعليقات ستجدون لها تكراراً واستنساخاً لدى كثير من البشر في عديد من القطاعات، هؤلاء هم من يعايشون الواقع العملي الإداري، بالتالي يمكنهم إلقاء أي نظرية إدارية في «سلة المهملات» فقط ببيان استحالة تحقيق ما يفترضه «ستيفن كوفي» في كلامه.

المشكلة في هذه القضية باختصار لا تكمن في الأشخاص الثلاثة الذين ينقلون المشكلة وكيفية تعاملهم معها، المشكلة تكمن هنا في رأس المؤسسة، أو المسؤول الأول في القطاع، أو المعني باتخاذ القرار، حينما يقوم بأفعال إدارية غير سوية، ابتداء من سرقة جهد الموظفين وحلولهم، مروراً بنسب كل شيء إيجابي له، وصولاً لعملية تجاهل الحلول، وتصغير جهود المجتهدين وأصحاب الابتكارات.

إصلاح الرؤوس في المنظومات الإدارية، يضمن بألا تضيع جهود الموظفين وألا تسرق أفكارهم وحلولهم وابتكاراتهم، بحيث يستولى عليها شخص آخر لم يزخ قطرة عرق واحدة نتيجة تعب التفكير في الحلول والقتال من أجل تطبيقها.