انفجرت الصالة الثقافية بالحضور الرهيب في ثالث أيام العيد لحضور حفل غنائي تحت عنوان «ذاكرة التلفزيون»، ومن لم يحضر قبل نحو ساعة من بدء الحفل فإنه لم يستطيع دخول القاعة المزدحمة بعشاق الفن والتاريخ والوطن.

إن حضور البحرينيين من كل الأعمار إلى الصالة الثقافية لحضور الحفل الغنائي وبشكل قوي جداً على الرغم من الحر القاتل وغياب آلاف البحرينيين بداعي السفر ووقوع الحفلة في أيام العيد التي تنشغل فيها غالبية الأسر البحرينية «بمواجيب» التزاور، يعطينا مؤشراً أن كل أهل هذا الوطن يعشقون تراب وطنهم ويعشقون تاريخه وفنه وتراثه وكل شيء فيه.

إن حضور آلاف البحرينيين لحفل غنائي يحاكي حقبة تاريخية ليست ببعيدة عن وطنهم وتراثهم في ليلة شديدة الرطوبة يدلنا على عمق حب الناس لهذا الوطن وتاريخه، كما يرسل إشارات إيجابية بأن الناس هنا مازالت تعشق الفرح ومازالت تهرول وراء السعادة، كما ترسل رسائل واضحة لكل المسؤولين بأن ما تقوم به الثقافة هو ما يطلبه المواطنون وهو الذي يجب أن يكون.

هذا الأمر أيضاً يفتح ملف دعم الثقافة من جديد، فالحضور العظيم للحفلة الغنائية أعطانا مؤشرات واضحات على أن ضخ موازنات في طريق الثقافة لا يعدّ هدراً للأموال ما دامت تكرس الجانب الثقافي والحسّ الوطني عند الناس، كما يعد انتصاراً لمشاريع الهيئة وفشل رهان كل جهة كانت ومازالت تحارب الثقافة، إلَّا أن الثقافة أثبتت عبر إحدى فعالياتها -وليست كلها- بأنها قبل غيرها من يستطيع أن يكسب ود الناس واحترامهم وحضورهم على الرغم من كل الظروف القاهرة.

امتلأت الصالة عن بكرة أبيها، ولم تعد في تلكم الليلة مقاعد فارغة، إلا أن الناس جلست على «العتبات»، وبعضهم ظل واقفاً في الخارج حتى انتهاء الحفل، لأنهم أرادوا أن يوصلوا رسائل لمن يحاولون محاربة الثقافة في البحرين بأنهم حاضرون وموجودون في كل محافلها، وأنهم الرصيد الحقيقي والشعبي للهيئة ومشاريعها وبرامجها. ومازالت الثقافة تتوهج وتتقدم.

نشكر هيئة البحرين للثقافة والآثار على تنظيمها هذه الفعالية الجميلة التي أثبتت للجميع مدى تعلق الناس بحب هذا الوطن، وبحبهم للثقافة ولكل برامجها ومشاريعها طيلة أيام العام، وأن الأرقام الكثيفة هي وحدها التي تتكلم في حال أرادت أي جهة أن تجهض أحلامنا وفرحنا وسعادتنا وأنسنا بتراثنا وثقافتنا، لتقول للجميع بأن الجمهور الحقيقي مع الثقافة في كل خطواتها ولن يخذلها.

في الختام لا يسعنا سوى إيصال شكرنا وحبنا إلى كورال فرقة البحرين للموسيقى بقيادة المايسترو خليفة زيمان، ولكل المغنين فيها والمشاركين والمنظمين على ما أتحفونا به تلكم الليلة من فرح وحب وشغف. ليلة لا يمكن نسيانها أبداً، لتضاف إلى أرشيف وذاكرة هذا الوطن الجميل.