استوقفني مقال للزميل الدكتور زكريا خنجي بعنوان، هل الأب هو العنصر المهمل في الأسرة، والمنشور في جريدة «أخبار الخليج»، في العدد «15080» يوم الأحد الموافق السابع من يوليو 2019. المقال يعكس معاناة أب يفتقد تواصل أبنائه على الرغم من أنهم يعيشون معه تحت سقف واحد، وعلى الرغم من أنه كان أباً حنوناً يهتم بهم ويرعاهم، فباتوا لا يتقبلون آراءه ولا يشتاقون لمجالسته وأحاديثه، ولعلني أعتبر ما حدث لهذا الأب ضرباً من المآسي الاجتماعية، ولكن اسمح لي يا دكتور زكريا أن أوجه حديثي لهذا الأب الذي يعاني من جراح سهام أصابه بها أحب الناس وأقربهم إلى قلبه الحنون، إنهم فلذات كبده، فما أشد ألم جرح السهام عندما تكون بيد الأحبة.
أيها الأب الجريح: لك الحق أن تتألم، والعذر كل العذر لك على ما تعانيه من مشاعر الحسرة، فتقبل منا مواساتنا، ولكن عليك ألا تلوم أبناءك، فلعل غالبية الآباء يشربون من ذات الكأس، فالبيوت أسرار، والآباء لا يبوحون بهمومهم للآخرين. المشكلة ليست مشكلة أبناء فلان ولا علان إنها مشكلة جيل بأكمله.
أيها الأب الجريح: لو جلست جلسة مصارحة مع زوجتك لوجدتها تعاني من الجرح ذاته لكنها تكتمه حفاظاً على الترابط الأسري في عشكم الدافئ، فكما فهمت مما كتبه الدكتور زكريا خنجي أن والدتهم لا تسمع صوتهم إلا إذا احتاجوا لها لأن تقوم بدور السفير والوسيط بينك وبينهم، فتجدها تعاني من فراقهم، وتفتقدهم وهم في بيتها، فاستمع لها واقترب منها كي لا تفتقدك أنت وأبناءها.
أيها الأب الجريح: لا تبتأس، ولا تحزن فالمشكلة ليست في سلوك أبنائك أو زوجتك إنها مشكلة ظروف حياة جيل بأكمله، تلك الظروف المتمثلة في طول مدة الدوام والعمل خارج المنزل، فيقضون طوال اليوم في العمل أو الجامعة، فلا اجتماع للأبناء مع آبائهم على طاولة طعام الغداء، ولا حتى العشاء، هم مشغولون طول اليوم ليكون المنزل مجرد غرفة نومهم، فلا فرصة للتواصل بين أفراد الأسرة إلا عبر الهاتف، ففقدت الأسرة ذلك التجمع الأسري اليومي، الذي يتبادلون فيه الأحاديث، يضحكون معاً، ويتسامرون معاً، ويستمتعون معاً، تجمع أسري يبوح كل فرد فيه لأسرته بهمومه ليمسحوا عنه الحزن، أو ليتشارك كل فرد مع أسرته المواقف السعيدة التي مرت به في يومه يرويها فتتجدد السعادة في قلبه، أو ليحظى بنصيحه أو رأي في موقف مر به خلال يومه فيتشاورون ويتناصحون ويتبادلون الخبرات، لعمري إن الأسرة فقدت أهم وسيلة للترابط بين أفرادها إنها الجلسات الجماعية والحوار وتبادل الأحاديث، والتجمع حول مائدة الطعام.
نعم.. إنها مشكلة جيل، إنه جيل لم يتقن فن التعايش، فلا يحسن تقبل عيوب الآخر، ولا التعايش معهم ولا يتقبل الاختلاف في طبائعهم، ولا يعرف فنون الاستماع للآخرين، جيل يفر من طبائع الآخرين ولا يعرف كيف يتقبلها، طبائع هي جزء من سمات بعضنا مثل: أن يكون أحدهم عصبي المزاج، أو الرغبة في السيطرة والتحكم فيكثر من إصدار التوجيهات والتعليمات، أو لا يتقبل أحدهم حرص الأهل على نقل خبرتهم لهم ويعتبرون هذا الحرص تدخل في حياتهم فيبتعدون عنهم، فيعيش كل فرد منعزلاً عن الآخرين، فلا عمق في العلاقات الإنسانية ولا تقارب في التعايش. والخوف كل الخوف أن ينعكس هذا السلوك على علاقاتهم الزوجية عندما يبنون أسرهم.
نعم.. إنها مشكلة جيل، جيل تعود أن يفعل ما يشاء، وكيفما يشاء، ومتى يشاء، فلا يراعي رغبات الآخرين، إنه جيل لم يعد يفرح عندما يقدم تنازلات لإسعاد الآخرين، تعود أن يختار المطعم الذي يريد ووجهة الترفيه التي يهواها ومكان قضاء إجازته، لا يهم رغبة أفراد أسرته فإن لم يوافقوه فسيختار أي صديق يشاركه الترفيه، فغايته المطعم أو طريقة الترفيه وليس له حاجة في القرب من أهله والتفاعل معهم.
أيها الأب الجريح.. لا تبكي حالك وحال أبنائك بل ضع يدك في يد كل أب وأم يعانون من نفس الجرح ويكتمونه حزناً وأسفاً.
أيها الأب الجريح.. لملم جراحك وأوقد شمعة الأمل.. واترك طاولة المقهى فأمامك قنوات ووسائل في المجتمع تستطيع من خلالها أن تقاوم وتغير تلك السلوكيات التي باتت تنتشر في مجتمعنا، سلوكيات دخيلة علينا، وجه صوتك لأبناء هذا الجيل، لا خوفاً على آبائهم بل خوفاً على أبنائهم فنحن نشفق عليهم بألا يوفقوا في الحفاظ على أسرهم. فكن إيجابياً ومد يد العون لهم كما فعلت في شبابك، فلا زلت قادراً على العطاء ولا زالوا هم بحاجة لك وإن لم يتقبلوا مساعدتك، ولكن عليك أن تعرف كيف تقدم لهم هذا العطاء، وأن تعرف كيف تخاطب عقولهم، فقديماً قال أجدادنا: خاطب الناس على قدر عقولهم. اجعل موضوع «التعايش بين الأجيال» قضيتك التي تدافع عنها وتروج لها، فشارك في برامج مجتمعية تعالج تلك القضية من خلال الجمعيات والأندية ومؤسسات المجتمع المدني، وجه صوتك من خلال وسائل التواصل الاجتماعي لأبناء هذا الجيل أو غيرها من السبل فكن ذا عزم ولا تيأس.. ودمتم أبناء قومي سالمين.
أيها الأب الجريح: لك الحق أن تتألم، والعذر كل العذر لك على ما تعانيه من مشاعر الحسرة، فتقبل منا مواساتنا، ولكن عليك ألا تلوم أبناءك، فلعل غالبية الآباء يشربون من ذات الكأس، فالبيوت أسرار، والآباء لا يبوحون بهمومهم للآخرين. المشكلة ليست مشكلة أبناء فلان ولا علان إنها مشكلة جيل بأكمله.
أيها الأب الجريح: لو جلست جلسة مصارحة مع زوجتك لوجدتها تعاني من الجرح ذاته لكنها تكتمه حفاظاً على الترابط الأسري في عشكم الدافئ، فكما فهمت مما كتبه الدكتور زكريا خنجي أن والدتهم لا تسمع صوتهم إلا إذا احتاجوا لها لأن تقوم بدور السفير والوسيط بينك وبينهم، فتجدها تعاني من فراقهم، وتفتقدهم وهم في بيتها، فاستمع لها واقترب منها كي لا تفتقدك أنت وأبناءها.
أيها الأب الجريح: لا تبتأس، ولا تحزن فالمشكلة ليست في سلوك أبنائك أو زوجتك إنها مشكلة ظروف حياة جيل بأكمله، تلك الظروف المتمثلة في طول مدة الدوام والعمل خارج المنزل، فيقضون طوال اليوم في العمل أو الجامعة، فلا اجتماع للأبناء مع آبائهم على طاولة طعام الغداء، ولا حتى العشاء، هم مشغولون طول اليوم ليكون المنزل مجرد غرفة نومهم، فلا فرصة للتواصل بين أفراد الأسرة إلا عبر الهاتف، ففقدت الأسرة ذلك التجمع الأسري اليومي، الذي يتبادلون فيه الأحاديث، يضحكون معاً، ويتسامرون معاً، ويستمتعون معاً، تجمع أسري يبوح كل فرد فيه لأسرته بهمومه ليمسحوا عنه الحزن، أو ليتشارك كل فرد مع أسرته المواقف السعيدة التي مرت به في يومه يرويها فتتجدد السعادة في قلبه، أو ليحظى بنصيحه أو رأي في موقف مر به خلال يومه فيتشاورون ويتناصحون ويتبادلون الخبرات، لعمري إن الأسرة فقدت أهم وسيلة للترابط بين أفرادها إنها الجلسات الجماعية والحوار وتبادل الأحاديث، والتجمع حول مائدة الطعام.
نعم.. إنها مشكلة جيل، إنه جيل لم يتقن فن التعايش، فلا يحسن تقبل عيوب الآخر، ولا التعايش معهم ولا يتقبل الاختلاف في طبائعهم، ولا يعرف فنون الاستماع للآخرين، جيل يفر من طبائع الآخرين ولا يعرف كيف يتقبلها، طبائع هي جزء من سمات بعضنا مثل: أن يكون أحدهم عصبي المزاج، أو الرغبة في السيطرة والتحكم فيكثر من إصدار التوجيهات والتعليمات، أو لا يتقبل أحدهم حرص الأهل على نقل خبرتهم لهم ويعتبرون هذا الحرص تدخل في حياتهم فيبتعدون عنهم، فيعيش كل فرد منعزلاً عن الآخرين، فلا عمق في العلاقات الإنسانية ولا تقارب في التعايش. والخوف كل الخوف أن ينعكس هذا السلوك على علاقاتهم الزوجية عندما يبنون أسرهم.
نعم.. إنها مشكلة جيل، جيل تعود أن يفعل ما يشاء، وكيفما يشاء، ومتى يشاء، فلا يراعي رغبات الآخرين، إنه جيل لم يعد يفرح عندما يقدم تنازلات لإسعاد الآخرين، تعود أن يختار المطعم الذي يريد ووجهة الترفيه التي يهواها ومكان قضاء إجازته، لا يهم رغبة أفراد أسرته فإن لم يوافقوه فسيختار أي صديق يشاركه الترفيه، فغايته المطعم أو طريقة الترفيه وليس له حاجة في القرب من أهله والتفاعل معهم.
أيها الأب الجريح.. لا تبكي حالك وحال أبنائك بل ضع يدك في يد كل أب وأم يعانون من نفس الجرح ويكتمونه حزناً وأسفاً.
أيها الأب الجريح.. لملم جراحك وأوقد شمعة الأمل.. واترك طاولة المقهى فأمامك قنوات ووسائل في المجتمع تستطيع من خلالها أن تقاوم وتغير تلك السلوكيات التي باتت تنتشر في مجتمعنا، سلوكيات دخيلة علينا، وجه صوتك لأبناء هذا الجيل، لا خوفاً على آبائهم بل خوفاً على أبنائهم فنحن نشفق عليهم بألا يوفقوا في الحفاظ على أسرهم. فكن إيجابياً ومد يد العون لهم كما فعلت في شبابك، فلا زلت قادراً على العطاء ولا زالوا هم بحاجة لك وإن لم يتقبلوا مساعدتك، ولكن عليك أن تعرف كيف تقدم لهم هذا العطاء، وأن تعرف كيف تخاطب عقولهم، فقديماً قال أجدادنا: خاطب الناس على قدر عقولهم. اجعل موضوع «التعايش بين الأجيال» قضيتك التي تدافع عنها وتروج لها، فشارك في برامج مجتمعية تعالج تلك القضية من خلال الجمعيات والأندية ومؤسسات المجتمع المدني، وجه صوتك من خلال وسائل التواصل الاجتماعي لأبناء هذا الجيل أو غيرها من السبل فكن ذا عزم ولا تيأس.. ودمتم أبناء قومي سالمين.