يقول لي بعد أن فرغ من صلاته، بأنه يشعر بالراحة، فـ«قلبه أبيض» و«ضميره حي»!
أومأت برأسي وابتسمت تلك «الابتسامة الصفراء»، وهي الابتسامة التي اكتسبتها «قسراً»، حين أرى شيئاً يفرض علي الاستنكار!
لماذا تبتسم؟! سألني وقد انقلب وجهه. أجبت بأن إحساس الشخص بأن «قلبه أبيض» وأن «ضميره حي»، مسألة لا يمكنه بنفسه التأكيد عليها، حتى لو كان صاحب مبادئ وقيم، ومؤمناً بكل أعراف العدالة والإنسانية وحسن الخصال، إذ من يحكم عليك هو محيطك، الناس من حولك، في عملك، في مجتمعك، في منزلك. هم من يقررون «بياض» قلبك أو امتلاكك لضمير «غير ميت».
وأنت ماذا تظن؟! عاد ليسأل. فأجبت بسؤال: أحقاً تريد أن تعرف؟! قال: نعم! فسألته مجدداً: أولن يزعج ما سأقوله؟! فأجاب: لا.
قلت: رغم إدراكي بأنك ستنزعج، وأنك ستكرهني بعدها، وقد تحولني لعدو صريح لك، لكنك من طلبت الصدق في القول، وهنا لن أخرج عن وصفي لك بأنك صاحب «قلب أسود» وضميرك «مستتر تقديره مات»!
وللعلم، هي ليست المرة الأولى التي أستخدم فيها هذا الوصف، أعني «ضمير مستتر تقديره مات»، إذ هو تحريف للإعراب الصحيح للضمير الخفي، إذ يوصف بأنه «ضمير مستتر تقديره هو أو هي أو هم»، لكن في أيامنا هذه، بات الإعراب الأشهر للضمير بأنه «ميت»، لأن أفعال كثير من البشر تثبت بأن «إبليس» نفسه بات عمله أقل جهداً عن ذي قبل، فهناك بشر يفوقون الشيطان في «شيطنته»، بل هناك بشر يعلمون الشيطان نفسه في مدرسة إجرامهم وخبثهم وفسادهم.
قال غاضباً: أنا صاحب قلب أسود وضمير ميت؟! ألا ترى بأنني ناصح للناس، وأمثل لهم نموذجاً يحتذى به، وأنني أضحك في وجه الجميع، وعملي كله لـ«وجه الله سبحانه وتعالى»!
لا أخفيكم القول هنا، انفجرت ضاحكاً، ولولا الموقف الذي أردت له أن يكون «مواجهة رصينة» لارتميت على الأرض من الضحك، ووسط استغرابه، استعدت وجهي الجاد وقلت له: اسمع، طوال حياتي كرهت المدعين، ممن يلبسون رداء زائفاً، يسعون لإيهام الناس بالفضائل، ويغلفون أفعالهم بالدين و«قال الله وقال الرسول»، بينما هم في الحقيقة أسوأ بشر يمكن أن يصادفوك.
قال لي: أثبت كلامك؟! رددت بأنني يمكنني شخصياً الإثبات، لأن الظالم ينسى ظلمه والسيئ ينسى سيئاته، لكن هناك عشرات من الأفراد يمكنهم التأكيد على ما أقول، وهؤلاء لربما مروا بتجارب أسوأ معك، أو مع من هم على شاكلتك من ظلام للبشر، مستبدين بحكم المنصب أو النفوذ أو المال. الحقيقة هي ما يقوله الناس، الواقع هو ما تفرضه الأفعال، الكلام الجميل والمثاليات تبقى «جملاً رخوة» لا عمود فقرياً لها سوى إثباتها بالأفعال. ويا ترى كيف يكون صاحب قلب أبيض ممارساً لأشنع الصفات في إيذاء البشر، وفي محاربتهم، وفي التدبير لهم عبر مكائد ودسائس بالخفاء؟! كيف لصاحب ضمير حي أن يظلم، وأن يساعد في إيقاع الظلم، وأن يكذب، وأن يدعي سعيه للمصلحة العامة، بينما سعيه لمكاسب شخصية؟!
رأيت نظرة الغضب. فسألته: لماذا تغضب وهذه هي حقيقتك؟! لماذا تستاء وأنت بالفعل «غدار» و«خائن» لكل المثاليات والأخلاقيات؟! غيرك كثيرون، ابتلينا بهم، وأثروا على البشر، وأهدروا ثروات الوطن المتمثلة بطاقاتها وكفاءاتها، ومازالوا يحاولون التشبث بما لديهم عبر الخديعة والادعاء والزيف.
قد يمضي الظالم في هذه الدنيا وهو ظان بـ«أن لن يقدر عليه أحد»، قد يظن بأنه ذكي لـ«يخدع النظام والقانون»، لكن في النهاية فوقه «رب شديد العقاب»، رب «يمهل ولا يهمل».
* ملاحظة:
أعلاه محادثة خيالية لم تحصل قط، هي تمر أحياناً في مخيلتي كهواجس، مبعثها أنه لابد من مواجهة الفاسدين والظالمين، بالأخص من يدعون الفضيلة وهم يمارسون أرذل الرذائل. هؤلاء لابد لهم من رادع، ونصيب لا محالة من رد الدين، فدعوات المظلومين ليس بينها وبين الله حجاب، ولعلها تكون سبباً لتحرك الدولة للتصدي لأصحاب الضمائر الميتة وأصحاب القلوب السوداء، فبلادنا ومجتمعنا يستحقان «الأنظف».
{{ article.visit_count }}
أومأت برأسي وابتسمت تلك «الابتسامة الصفراء»، وهي الابتسامة التي اكتسبتها «قسراً»، حين أرى شيئاً يفرض علي الاستنكار!
لماذا تبتسم؟! سألني وقد انقلب وجهه. أجبت بأن إحساس الشخص بأن «قلبه أبيض» وأن «ضميره حي»، مسألة لا يمكنه بنفسه التأكيد عليها، حتى لو كان صاحب مبادئ وقيم، ومؤمناً بكل أعراف العدالة والإنسانية وحسن الخصال، إذ من يحكم عليك هو محيطك، الناس من حولك، في عملك، في مجتمعك، في منزلك. هم من يقررون «بياض» قلبك أو امتلاكك لضمير «غير ميت».
وأنت ماذا تظن؟! عاد ليسأل. فأجبت بسؤال: أحقاً تريد أن تعرف؟! قال: نعم! فسألته مجدداً: أولن يزعج ما سأقوله؟! فأجاب: لا.
قلت: رغم إدراكي بأنك ستنزعج، وأنك ستكرهني بعدها، وقد تحولني لعدو صريح لك، لكنك من طلبت الصدق في القول، وهنا لن أخرج عن وصفي لك بأنك صاحب «قلب أسود» وضميرك «مستتر تقديره مات»!
وللعلم، هي ليست المرة الأولى التي أستخدم فيها هذا الوصف، أعني «ضمير مستتر تقديره مات»، إذ هو تحريف للإعراب الصحيح للضمير الخفي، إذ يوصف بأنه «ضمير مستتر تقديره هو أو هي أو هم»، لكن في أيامنا هذه، بات الإعراب الأشهر للضمير بأنه «ميت»، لأن أفعال كثير من البشر تثبت بأن «إبليس» نفسه بات عمله أقل جهداً عن ذي قبل، فهناك بشر يفوقون الشيطان في «شيطنته»، بل هناك بشر يعلمون الشيطان نفسه في مدرسة إجرامهم وخبثهم وفسادهم.
قال غاضباً: أنا صاحب قلب أسود وضمير ميت؟! ألا ترى بأنني ناصح للناس، وأمثل لهم نموذجاً يحتذى به، وأنني أضحك في وجه الجميع، وعملي كله لـ«وجه الله سبحانه وتعالى»!
لا أخفيكم القول هنا، انفجرت ضاحكاً، ولولا الموقف الذي أردت له أن يكون «مواجهة رصينة» لارتميت على الأرض من الضحك، ووسط استغرابه، استعدت وجهي الجاد وقلت له: اسمع، طوال حياتي كرهت المدعين، ممن يلبسون رداء زائفاً، يسعون لإيهام الناس بالفضائل، ويغلفون أفعالهم بالدين و«قال الله وقال الرسول»، بينما هم في الحقيقة أسوأ بشر يمكن أن يصادفوك.
قال لي: أثبت كلامك؟! رددت بأنني يمكنني شخصياً الإثبات، لأن الظالم ينسى ظلمه والسيئ ينسى سيئاته، لكن هناك عشرات من الأفراد يمكنهم التأكيد على ما أقول، وهؤلاء لربما مروا بتجارب أسوأ معك، أو مع من هم على شاكلتك من ظلام للبشر، مستبدين بحكم المنصب أو النفوذ أو المال. الحقيقة هي ما يقوله الناس، الواقع هو ما تفرضه الأفعال، الكلام الجميل والمثاليات تبقى «جملاً رخوة» لا عمود فقرياً لها سوى إثباتها بالأفعال. ويا ترى كيف يكون صاحب قلب أبيض ممارساً لأشنع الصفات في إيذاء البشر، وفي محاربتهم، وفي التدبير لهم عبر مكائد ودسائس بالخفاء؟! كيف لصاحب ضمير حي أن يظلم، وأن يساعد في إيقاع الظلم، وأن يكذب، وأن يدعي سعيه للمصلحة العامة، بينما سعيه لمكاسب شخصية؟!
رأيت نظرة الغضب. فسألته: لماذا تغضب وهذه هي حقيقتك؟! لماذا تستاء وأنت بالفعل «غدار» و«خائن» لكل المثاليات والأخلاقيات؟! غيرك كثيرون، ابتلينا بهم، وأثروا على البشر، وأهدروا ثروات الوطن المتمثلة بطاقاتها وكفاءاتها، ومازالوا يحاولون التشبث بما لديهم عبر الخديعة والادعاء والزيف.
قد يمضي الظالم في هذه الدنيا وهو ظان بـ«أن لن يقدر عليه أحد»، قد يظن بأنه ذكي لـ«يخدع النظام والقانون»، لكن في النهاية فوقه «رب شديد العقاب»، رب «يمهل ولا يهمل».
* ملاحظة:
أعلاه محادثة خيالية لم تحصل قط، هي تمر أحياناً في مخيلتي كهواجس، مبعثها أنه لابد من مواجهة الفاسدين والظالمين، بالأخص من يدعون الفضيلة وهم يمارسون أرذل الرذائل. هؤلاء لابد لهم من رادع، ونصيب لا محالة من رد الدين، فدعوات المظلومين ليس بينها وبين الله حجاب، ولعلها تكون سبباً لتحرك الدولة للتصدي لأصحاب الضمائر الميتة وأصحاب القلوب السوداء، فبلادنا ومجتمعنا يستحقان «الأنظف».