قبل أيام كنت أتصفح عدداً من الجرائد القديمة، ووقع نظري على عدد يعود لعام 2012، وتضمن نشراً لكثير من مضامين التقرير السنوي لديوان الرقابة المالية والإدارية، إذ العرف جرى بأنه بعد تسليم التقرير من قبل رئيس الديوان إلى جلالة الملك حفظه الله، ثم سمو رئيس الوزراء فسمو ولي العهد، يتم تسليم نسخاً منه لأعضاء مجلس النواب، وبعدها تتسرب النسخ أو تحصل الصحافة على نسخ، لتبدأ لدينا عملية النشر وتدفق المضامين في الصحافة وأيضاً وسائل التواصل الاجتماعي.

في النسخة التي كنت أقرأها والتي تعود إلى سبع سنوات ماضية، هالتني بعض المعلومات التي نشرت عن قطاعات معينة، وبالأخص ما تم نشره من تجاوزات قام بها مسؤولون عن قطاعات سماهم التقرير بمناصبهم، تجاوزات تصنف على أنها فساد إداري وسوء استخدام لسلطة المنصب، وعليها تم العبث بالمال العام، والأخذ منه على هيئة تجاوزات للنظم الإدارية والمالية.

وأنا أقرأ ما نشره الديوان في تقريره وما بثته الصحافة بالتالي تناقلته الناس باستغراب واستنكار، كنت أقول بأن هؤلاء المسؤولين المتجاوزين، أو بعبارة أصح وأدق «فاسدين إدارياً ومالياً» يفترض بهم -منطقياً- تقديم استقالتهم، ففضيحة تجاوزاتهم تتحدث عنها البحرين بأسرها، ناهيكم عن اعتقادي الخاطئ للأسف حينها بأن النواب الذين يملكون حق الاستجواب والمطالبة بإحالة القضايا للنيابة لن يسكتوا، وأيضاً توقعي بأن الحكومة لن تسكت، بالتالي سنشهد عمليات إقالة ومحاسبة وحتى إحالات للنيابة والمحاكم.

لكن، وقبل كل شيء، سأقول لمن يزعل من كلامي الذي أورده بصدق هنا، بأنني أنا من يحق له الزعل، والناس هم من يحق لهم الزعل، لأن «لكن» التي أوردتها بداية هذه الجملة عنيت بها، أنه بعد كل الإثباتات التي توثق وتؤكد على الفساد الإداري والمالي، كانت هناك خيبات أمل بالنسبة لي وبالتأكيد لجموع من الناس بشأن المعالجات وردات فعل الأجهزة الرسمية والبرلمان، إذ من افتضح فساده ونشر في تقرير الرقابة، ولست أتحدث عن تجاوزات إدارية تحصل بالخطأ دون تعمد، بل أتحدث عن فساد متعمد، هؤلاء مازال بعضهم في مواقع المسؤولية، ويبنون على فسادهم القديم الذي لم يحاسبوا عليه فساد جديد متراكم.

لا يعقل أن يثبت لنا تقرير الرقابة المالية والإدارية فساد وتجاوزات جسيمة لمسؤولين ويظلون في مناصبهم التي خانوا أمانتها. لا يعقل أن يثبت لنا تقرير الرقابة المالية والإدارية وضع يد على المال العام واللعب فيه ويظل المتطاولون على أموال الدولة في مناصبهم. لا يعقل أن يثبت لنا تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية وجود فساد إداري وظلم للبشر ويظل المسئولون الظلمة في مواقعهم. ولا يعقل أن نرى الحجم الكبير المرصود من التجاوزات في التقرير ولا تكون المحاسبات «الصارمة» موازية لهذا العدد الضخم.

بالتالي هي قصتنا كل عام، ها هو تقرير «جديد» يصدر، وتجاوزات ترصد، فهل من جديد هذه المرة في عملية المحاسبة والمسائلة وتحويل بعض المتجاوزين المتعمدين الدائمين إلى عبرة لمن تراوده نفسه بالمضي على طريقهم؟!

وعليه لمن يعنيهم الأمر، ثقتنا بكم، فمسؤوليتنا تجاه بلادنا الغالية تتمثل بحمايتها من كل تجاوز وفساد وأخطاء، مسؤوليتنا بإبدال الفاسدين بالصالحين، فالبحرين تستحق منا الأفضل والأنظف فقط، ولا شيء أو أحد أدنى من ذلك.