الراكد يأسن، وهذا ما حدث لحلف شمال الأطلسي بعد أن انهارت الذريعة الرسمية لوجوده 1989 بسقوط الاتحاد السوفيتي وتلاشي حلف وارسو. ففي تقديرنا أن جولات الحلف منذ الحرب الباردة هي فشل تلو الآخر، ولكم في أفغانستان خير مثال. وبعد شهر من الآن سيعقد حلف شمال الأطلسي قمته في لندن مطلع ديسمبر2019، وربما تكون مناسبة للخليجيين -الذين لهم ضباط ارتباط في الحلف- لتذكيرهم بالقصور في دورهم في أمن الخليج. وربما عليهم الإشارة إلى عدم جدوى مبادرة إسطنبول للتعاون «ICI 2004»، وضعت هيكلاً للتعاون مع دول الخليج التي وافقت باستثناء الرياض ومسقط. والقصور الذي نشير إليه ليس عدم تقدم التعاون فحسب رغم مرور عقد باستثناء افتتاح مكاتب المركز الإقليمي لـ»الناتو»، في الكويت منذ 2017، بل قصور في عز الأزمة التي بدأت صيف 2019 ومازالت قائمة. فقد قابلها الحلف بسلبية معيبة يتوجها تصريح الأمين العام للحلف في يوليو 2019 أن أحداً لم يطلب من الحلف المشاركة في تأمين الملاحة في مياه الخليج.
لم نتحلل من فضيلة التروي، لكن الناتو نفسه يتلقى اللمز من منتسبيه أنفسهم، فأمريكا ما برحت تردد في ظل قيادة ترامب أنه لن يشارك في عمليات لإنقاذ دولة في الحلف لم تسدد التزاماتها المالية. لذا تولد شعور أطلسي بعدم القدرة على التنبؤ بالسياسة الأمريكية. أما أقوى أعضاء الحلف بالقوة البرية وهي تركيا فقد تنبهت للأنانية الأوروبية والجشع الترامبي فتبنت السلوك الأحادي. أما السهم الثالث فمن فرنسا حيث وصف ماكرون حالة الناتو بالموت السريري، لغياب الغايات الاستراتيجية للحلف، والاستخفاف بالمادة 5 من معاهدة قيامه والتي تنص على تضامن عسكري حال تعرّض أحدهم لهجوم. ورغم أن مبادرة إسطنبول لا تنص على الدفاع عن دول الخليج لكن أمن الخليج في إطاره العام مصلحة لدول الحلف، فلماذا التقاعس العسكري رغم أن الناتو يمتلك ثروة من الخبرة تمكنه من أن يقدمها للدول غير المنضمة للناتو مباشرة.
صحيح أن هناك تمسكاً بالناتو من قبل بعض أعضائه، فقد صرح مايك بومبيو أن حلف الأطلسي لايزال تاريخياً من أهم الشراكات الاستراتيجية، وصرح الأمين العام للحلف أن لدينا مشاكل وعلينا أن نتعافى، كما أن من المدافعين عن الحلف أنغيلا ميركل وأيضاً لندن التي ستعقد بها قمتهم المقبلة. لكن ذلك لم يوقف موسكو من الشماتة بحال الحلف حيث وصفت ما قاله ماكرون بأنّه «كلام من ذهب». لكن ذلك التمسك لا يلزم دول الخليج، فأعضاء الحلف فرادى كانوا مترددين في الاستجابة للدعوة الأمريكية لحماية الأمن البحري للخليج، ومع هذا الموقف كيف لنا أن نضمن عدم تكرار تسلل هجمات الجيرة الإقليمية الشرسة على المنشآت الحيوية الخليجية! فنحن لسنا بحاجة للقوة الناعمة للحلف من تدريب واستشارات، بل لمن يشغل ما يملكه في أماكن تواجده في الخليج من أجهزة قيادة وسيطرة واتصال واستخبارات المسماة (C4I) Command, Control, Communications, Computers, and Intelligence
لكن ذلك لا يظهر في الأفق، فقد عجز الحلف عن إظهار الوحدة الداخلية في وقت تنامي العسكرية الصينية، ومحاولات روسيا تقويض أطراف الحلف من أوكرانيا إلى جورجيا، غير الهجمات الإلكترونية وحملات تخريب القيم الديمقراطية في واشنطن نفسها. فتسويق الناتو للقوة الناعمة غير مفيد للخليج، والاعتماد على الناتو في قضية أمن الخليج من المفترض أن نصرف النظر عنها.
* بالعجمي الفصيح:
إن الأمن الزائف الذي يوفره لنا «الناتو» عبء استراتيجي أكثر من أن يكون عوناً لدول الخليج، فالحلف بالكاد يحمل نفسه فكيف سيحملنا لشاطئ الأمان؟ بل إن تسمية «تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي» باسم «الناتو العربي» طالع سوء عليه.
* كاتب وأكاديمي كويتي
لم نتحلل من فضيلة التروي، لكن الناتو نفسه يتلقى اللمز من منتسبيه أنفسهم، فأمريكا ما برحت تردد في ظل قيادة ترامب أنه لن يشارك في عمليات لإنقاذ دولة في الحلف لم تسدد التزاماتها المالية. لذا تولد شعور أطلسي بعدم القدرة على التنبؤ بالسياسة الأمريكية. أما أقوى أعضاء الحلف بالقوة البرية وهي تركيا فقد تنبهت للأنانية الأوروبية والجشع الترامبي فتبنت السلوك الأحادي. أما السهم الثالث فمن فرنسا حيث وصف ماكرون حالة الناتو بالموت السريري، لغياب الغايات الاستراتيجية للحلف، والاستخفاف بالمادة 5 من معاهدة قيامه والتي تنص على تضامن عسكري حال تعرّض أحدهم لهجوم. ورغم أن مبادرة إسطنبول لا تنص على الدفاع عن دول الخليج لكن أمن الخليج في إطاره العام مصلحة لدول الحلف، فلماذا التقاعس العسكري رغم أن الناتو يمتلك ثروة من الخبرة تمكنه من أن يقدمها للدول غير المنضمة للناتو مباشرة.
صحيح أن هناك تمسكاً بالناتو من قبل بعض أعضائه، فقد صرح مايك بومبيو أن حلف الأطلسي لايزال تاريخياً من أهم الشراكات الاستراتيجية، وصرح الأمين العام للحلف أن لدينا مشاكل وعلينا أن نتعافى، كما أن من المدافعين عن الحلف أنغيلا ميركل وأيضاً لندن التي ستعقد بها قمتهم المقبلة. لكن ذلك لم يوقف موسكو من الشماتة بحال الحلف حيث وصفت ما قاله ماكرون بأنّه «كلام من ذهب». لكن ذلك التمسك لا يلزم دول الخليج، فأعضاء الحلف فرادى كانوا مترددين في الاستجابة للدعوة الأمريكية لحماية الأمن البحري للخليج، ومع هذا الموقف كيف لنا أن نضمن عدم تكرار تسلل هجمات الجيرة الإقليمية الشرسة على المنشآت الحيوية الخليجية! فنحن لسنا بحاجة للقوة الناعمة للحلف من تدريب واستشارات، بل لمن يشغل ما يملكه في أماكن تواجده في الخليج من أجهزة قيادة وسيطرة واتصال واستخبارات المسماة (C4I) Command, Control, Communications, Computers, and Intelligence
لكن ذلك لا يظهر في الأفق، فقد عجز الحلف عن إظهار الوحدة الداخلية في وقت تنامي العسكرية الصينية، ومحاولات روسيا تقويض أطراف الحلف من أوكرانيا إلى جورجيا، غير الهجمات الإلكترونية وحملات تخريب القيم الديمقراطية في واشنطن نفسها. فتسويق الناتو للقوة الناعمة غير مفيد للخليج، والاعتماد على الناتو في قضية أمن الخليج من المفترض أن نصرف النظر عنها.
* بالعجمي الفصيح:
إن الأمن الزائف الذي يوفره لنا «الناتو» عبء استراتيجي أكثر من أن يكون عوناً لدول الخليج، فالحلف بالكاد يحمل نفسه فكيف سيحملنا لشاطئ الأمان؟ بل إن تسمية «تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي» باسم «الناتو العربي» طالع سوء عليه.
* كاتب وأكاديمي كويتي