لم أكن المعنية بالكلام... ولم أكن مسترخية في الجلسة... كان الوضع متشنجاً، وكنت في أعلى تركيزي انتظاراً لحسم الأمور. ولكني لا أعرف كيف غادر حضوري المكان حين سمعت منه تلك الجملة «لا تحاولي الانتصار في جميع معاركك. اخسري معركة كي تتمكني من كسب باقي المعارك». تلك العبارة، التي لم أنسَها، مازالت تشكل معادلة صعبة، أحاول أمام كل أزمة أن أضبط اتزان طرفيها، وأخشى أن تميل الكفة لصالح معركة لا تستحق أن أتحمس للظفر بها. حين قالها، تذكرت أنه فعلاً رجل المعارك الرابحة. يستطيع الخروج من كل أزمة أقوى وأكثر ابتساماً. ولكن... متى يمكننا أن «نتكتك» للهزيمة؟ ومتى تكون الهزيمة نصراً؟
كثيرون هم الأشخاص الذين يديرون حياتهم بمنطق الحرب. أحياناً ينجح بعضهم لجرك لحرب لا معركة جادة لك فيها. قد يستفزونك، فتقع في الفخ، وتعمل على هزيمتهم. هم بذلك سيستنزفونك في أرض ليست أرضك ولحالة ذهنية ونفسية لا تناسبك. هل تواجههم لتلقنهم درساً؟ أم تنسحب لتنأى بنفسك وتنزهها عن الترهات؟
تثمين المواقف والقضايا في هذه الحياة مهارة صعبة الإتقان. بإمكانك مناقشتها والإفتاء في صورها وتمظهراتها. ولكن، حين تكون في المحك، فالحسابات ستختلف. ستكون وسط التوازنات، بين الإقدام والإحجام، وفي شعلة الانفعال، متذبذباً، ربما، بين الغضب واللامبالاة. في لحظة الحسم عليك تقرير ردة فعلك. هل يستحق الموضوع الخوض فيه؟ هل يستدعي الأمر الرد والتصعيد؟ في لحظة الانفعال عليك تقدير الأمور وتثمين الأشخاص.
أذكر ذات مرة أن شكت لي إحدى صديقاتي تسلط رئيستها في العمل. وتشديدها المبالغ فيه في قضايا الانضباط الوظيفي، كالاستئذان والتأخر البسيط والغياب لأعذار طارئة. أذكر أني حذرتها من الانجرار إلى المنطقة القانونية، فهي محسومة للالتزام بتطبيق القانون. ولكن يبدو أن الرئيسة المتسلطة نجحت في استدراج صديقتي «للعناد»، وتمكنت بذلك من رصد مخالفاتها وتحويلها للجنة تحقيق، استحقت عليها تنفيذ إجراءات عقابية.
والتاريخ يسرد لنا وقائع كثيرة وعظيمة أثرت في مصائر شعوب بأكملها، كانت بسبب افتعال مشكلات صغيرة انتهت بحروب كبيرة، لم ينجُ منها أحد. لذلك حين «تكبر» مسألة في رأسك، عليك أولاً أن تسأل نفسك هل المسألة كبيرة أم أن «راسك» هو الكبير؟. بالتالي، عليك أن تعيد حساباتك: هل سيتم التعامل في نهاية الأمر مع القضية ذاتها، أم سيتم التعامل مع رأسك أنت؟
ثقافة السلام ثقافة جماعية وفردية. والذين يحبون المعارك ليسوا بالضرورة ساسة أو زعماء. إنهم أفراد لا تسير حياتهم ضمن «الرتم» الطبيعي. ويحتاجون للفوضى والضجيج كي يمروا. فإن قابلتهم يوما وأقحموك في معاركهم التي لا داعي لك بها، فابتسم لهم، وتنازل عن النصر سعيداً. واعبر بجانبهم ضاحكاً وساخراً.
{{ article.visit_count }}
كثيرون هم الأشخاص الذين يديرون حياتهم بمنطق الحرب. أحياناً ينجح بعضهم لجرك لحرب لا معركة جادة لك فيها. قد يستفزونك، فتقع في الفخ، وتعمل على هزيمتهم. هم بذلك سيستنزفونك في أرض ليست أرضك ولحالة ذهنية ونفسية لا تناسبك. هل تواجههم لتلقنهم درساً؟ أم تنسحب لتنأى بنفسك وتنزهها عن الترهات؟
تثمين المواقف والقضايا في هذه الحياة مهارة صعبة الإتقان. بإمكانك مناقشتها والإفتاء في صورها وتمظهراتها. ولكن، حين تكون في المحك، فالحسابات ستختلف. ستكون وسط التوازنات، بين الإقدام والإحجام، وفي شعلة الانفعال، متذبذباً، ربما، بين الغضب واللامبالاة. في لحظة الحسم عليك تقرير ردة فعلك. هل يستحق الموضوع الخوض فيه؟ هل يستدعي الأمر الرد والتصعيد؟ في لحظة الانفعال عليك تقدير الأمور وتثمين الأشخاص.
أذكر ذات مرة أن شكت لي إحدى صديقاتي تسلط رئيستها في العمل. وتشديدها المبالغ فيه في قضايا الانضباط الوظيفي، كالاستئذان والتأخر البسيط والغياب لأعذار طارئة. أذكر أني حذرتها من الانجرار إلى المنطقة القانونية، فهي محسومة للالتزام بتطبيق القانون. ولكن يبدو أن الرئيسة المتسلطة نجحت في استدراج صديقتي «للعناد»، وتمكنت بذلك من رصد مخالفاتها وتحويلها للجنة تحقيق، استحقت عليها تنفيذ إجراءات عقابية.
والتاريخ يسرد لنا وقائع كثيرة وعظيمة أثرت في مصائر شعوب بأكملها، كانت بسبب افتعال مشكلات صغيرة انتهت بحروب كبيرة، لم ينجُ منها أحد. لذلك حين «تكبر» مسألة في رأسك، عليك أولاً أن تسأل نفسك هل المسألة كبيرة أم أن «راسك» هو الكبير؟. بالتالي، عليك أن تعيد حساباتك: هل سيتم التعامل في نهاية الأمر مع القضية ذاتها، أم سيتم التعامل مع رأسك أنت؟
ثقافة السلام ثقافة جماعية وفردية. والذين يحبون المعارك ليسوا بالضرورة ساسة أو زعماء. إنهم أفراد لا تسير حياتهم ضمن «الرتم» الطبيعي. ويحتاجون للفوضى والضجيج كي يمروا. فإن قابلتهم يوما وأقحموك في معاركهم التي لا داعي لك بها، فابتسم لهم، وتنازل عن النصر سعيداً. واعبر بجانبهم ضاحكاً وساخراً.