في إحدى القصص العابرة قيل إن حضارة عاصرت الحضارة اليونانية في زمن 600 قبل الميلاد، وكانت هذه الحضارة التي يقال لها «البمباسية» صغيرة وناشئة وتقتبس كثيراً من سياساتها من الحضارة اليونانية التي ازدهرت في ذلك الوقت.

وأراد حاكم هذه الحضارة أن يقدم لشعبه أموراً مختلفة عن الباقي ويؤسس لهم خطاً يسيرون عليه للمستقبل باختيارهم وقرارهم. فأمر بتشكيل مجلس للحكماء ومجلس للشعب، يقوم كل منهم بوضع خطط وسياسات إدارة البلد بشكل مختلف عن باقي الحضارات.

عم السرور في مختلف أرجاء البلاد، وظل الشعب يحتفل أياماً وليالي، ويقال أيضاً إن الاحتفالات استمرت سنوات طويلة حتى نسي الناس لِمَ يحتفلون!

وخلال السنوات التي مضت من عمر المجلسين، عُرف مجلس الحكماء لدى الشعب البمباسي بأنه مجلس «اللائية» وذلك أصبح إسمه مع الوقت، فقد كان المجلس حين يصدق أي قرار يتخذه يبدؤه بكلمة «لا، لا تبنوا، لا تزرعوا، لا تتوسعوا، لا تعطوا...».

إلى أن جاء يوم وحققت فيه بلاد البمباسية نصراً كبيراً في إحدى غزواتها وغنمت الشيء الكثير، وقرر الحاكم منح مجلس الحكماء نصيباً من الغنائم وطلب من وزير البلاط أن يصدر قراراً يعتمده المجلسان بذلك، إلا أن مجلس الحكماء وبشكل تلقائي قال لا للقرار دون أن يخوض في تفاصيله ولا يعلم ممن جاء.

نية المجلس كانت طيبة فقد كان يقصد أن يحسس الحاكم بأنه حامٍ وحارس لأي قرار من شأنه أن يقلق الطبقة الحاكمة ويضيف عليها عبء ومسؤولية جديدة، حيث نسي هذا المجلس أن اسمه الحقيقي كان مجلس الحكماء، وحين جمعهم الحاكم في مكان واحد ارد ان يستغل حكمتهم وخبرتهم لتصحيح وتقويم قوة الحكم لا للمجاملة.

هنا انتهت اقتباساتي للقصة الخيالية، وما وجدته من حكمة فيها أن هنا أناس يحبوننا بشكل كبير وأحياناً مبالغ فيه، وفي سبيل هذا الحب يقدمون على أمور قد تضرنا أكثر من ما تنفعنا.

سياسة الـ «لا» نسمعها كثيراً طوال حياتنا، وغالباً ما قُرنت «لا» بالنصح، إلا أنها أحياناً تتعدى الخوف الزائد كما الأم، حين تمنع أطفالها من الخروج من المنزل وتقول لهم لا تلعبوا في الخارج فهناك صبية مشاغبون، أو لا تصاحبوا أبناء تلك العائلة.

لا و لا، نسمعها كثيراً من أفراد وجماعات، دون مبرر أو توضيح، فكم هو سهل أن يقال «احترسوا من الغرباء في الخارج» بدلاً من «لا تخرجوا من المنزل»، فالهدف واحد ولكن الرسالة مختلفة. ففي الأولى هناك توضيح وعذر مع حرية الاختيار، وفي الثانية أمر فاصل لا مبرر له.

الحكماء لهم كل الحق في رفض أي أمر يرونه من منطلق سياسي واقتصادي وإداري، وقد لا نراه نحن عامة الشعب إلا من الجهة العاطفية، إلا أنه من حق الشعب أيضاً أن يجد بعض التبريرات المقنعة، ليس المطلوب منهم مشاركة الشعب في القرار بل توضيح سبب قبوله أو رفضه.