«الموت وحده لا يجد في الإنسان أية عظمة، ولا يجد الإنسان منه شفاءً». سوفوكليس.
«رحل إبراهيم جمعان»..هكذا وصلني الخبر ذاك المساء الغائم، مجرد رسالة قصيرة اختصرت حياة مديدة لرجل كبير...
اعتصرني الألم ساعتها، ولم أتمالك نفسي ذلك المساء: أهكذا، وبكل بساطة ترحل يا إبراهيم، من دون وداع، وتختفي ضحكتك المجلجلة الساخرة من كل شيء في هذه الدنيا السخيفة، كما كنت تصفها؟؟
أهكذا تغادر أيها الصديق، تاركاً وراءك الحسرة وألم الفقد. لتمشي في ظل وادي الموت وحيداً. أليس هو الموت الذي يكشف النقاب عن حريتنا، يحررنا من عبء وجود ثقيل ومفجع؟ هكذا كنا نتجادل ذاك اليوم. وموت جديد لصديق ورفيق درب، تجتاحني ضروب الأسى، إزاء الفرص المهدورة في حياة تنقضي هباء، يتملكني الحزن الفقد القاطع النهائي، فيغمرني إحساس بعبث الدمار الذي يصيبنا، حتى أن الحرمان من هذه الحياة نفسه لم يعد شراً كله....
لقد كنت من أواخر حبات عنقود جيل كامل زاملته، من الطراز الوطني الصادق، تربوياً فذاً وصاحب رأي وحالماً كبيراً، شجاعاً لا يخشى في الحق لومة لائم. وعندما يرحل أمثالك، في زمن عزت فيه الشجاعة وانتشر النفاق، يكون الرحيل خسارة كبيرة لا تقدر بثمن.
خلال أكثر من عشرين عاماً، جمعتني بك الجلسات التي تعلو فيها أصواتنا، فكنت مسكوناً على الدوام بالتربية والتعليم، وبقضايا التطوير والتحسين... وقائمة طويلة من المشروعات والدراسات التي بدأت أفكاراً وبحثاً مستداماً لا يتوقف، موقناً بأن «التعليم هو ما يرسم مستقبل البحرين الجديدة المتجددة».
اليوم وبعد أن التحقت بكوكبة الأصدقاء الراحلين، أجد الحياة من دون صديق جحيماً، وعدماً لا يطاق، فجل ما نتمناه في زمننا المنقضي أن يكون لنا في الدنيا صديق، فإن لم يكن فليس إلا الخواء في زمن أصبح فيه المخلصون «غريبي الحال، غريبي اللفظ، مستأنسين بالوحشة، قانعين بالوحدة، معتادين للصمت، ملازمين للحيرة، محتملين للأذى، يائسين من الخلق»، حتى كأن الموت نعمة، ومفارقة هؤلاء كرم وكسب، بعيداً عن الزيف والزائفين، والركض وراء أمجاد لا تساوي رطلاً من الفحم....
سوف أذكرك، يا صديقي، كل يوم، مقروناً بذكريات لا تموت، وقائمة طويلة من إنجازاتك المسطورة في ذاكرة الأجيال، مسكوناً بهموم لا عد لها ولا حصر، هموم الوطن الصغير والوطن الكبير والوحدة التي بقيت راسخة إلى أخر نفس من أنفاسك.
كانت الدنيا مطر عندما وصلتني تلك الرسالة. فأمسكني ألم الغياب عن المشي وراء جنازتك يا صديقي، فاعذرني، فهذا آخر اعتذار بيني وبينك! شملك الرحمن برحمته.
همس
في الموت ينتبه الصديق إلى الصديق
فلا يراه.
فهل نتوب عن الغيابِ؟
لكنا لا نموت!
في الموتِ ينتبه الوجودُ
إلى الفراغ.
في اليأسِ ننتبه إلى سخافةِ الوجود في الحياة.
«رحل إبراهيم جمعان»..هكذا وصلني الخبر ذاك المساء الغائم، مجرد رسالة قصيرة اختصرت حياة مديدة لرجل كبير...
اعتصرني الألم ساعتها، ولم أتمالك نفسي ذلك المساء: أهكذا، وبكل بساطة ترحل يا إبراهيم، من دون وداع، وتختفي ضحكتك المجلجلة الساخرة من كل شيء في هذه الدنيا السخيفة، كما كنت تصفها؟؟
أهكذا تغادر أيها الصديق، تاركاً وراءك الحسرة وألم الفقد. لتمشي في ظل وادي الموت وحيداً. أليس هو الموت الذي يكشف النقاب عن حريتنا، يحررنا من عبء وجود ثقيل ومفجع؟ هكذا كنا نتجادل ذاك اليوم. وموت جديد لصديق ورفيق درب، تجتاحني ضروب الأسى، إزاء الفرص المهدورة في حياة تنقضي هباء، يتملكني الحزن الفقد القاطع النهائي، فيغمرني إحساس بعبث الدمار الذي يصيبنا، حتى أن الحرمان من هذه الحياة نفسه لم يعد شراً كله....
لقد كنت من أواخر حبات عنقود جيل كامل زاملته، من الطراز الوطني الصادق، تربوياً فذاً وصاحب رأي وحالماً كبيراً، شجاعاً لا يخشى في الحق لومة لائم. وعندما يرحل أمثالك، في زمن عزت فيه الشجاعة وانتشر النفاق، يكون الرحيل خسارة كبيرة لا تقدر بثمن.
خلال أكثر من عشرين عاماً، جمعتني بك الجلسات التي تعلو فيها أصواتنا، فكنت مسكوناً على الدوام بالتربية والتعليم، وبقضايا التطوير والتحسين... وقائمة طويلة من المشروعات والدراسات التي بدأت أفكاراً وبحثاً مستداماً لا يتوقف، موقناً بأن «التعليم هو ما يرسم مستقبل البحرين الجديدة المتجددة».
اليوم وبعد أن التحقت بكوكبة الأصدقاء الراحلين، أجد الحياة من دون صديق جحيماً، وعدماً لا يطاق، فجل ما نتمناه في زمننا المنقضي أن يكون لنا في الدنيا صديق، فإن لم يكن فليس إلا الخواء في زمن أصبح فيه المخلصون «غريبي الحال، غريبي اللفظ، مستأنسين بالوحشة، قانعين بالوحدة، معتادين للصمت، ملازمين للحيرة، محتملين للأذى، يائسين من الخلق»، حتى كأن الموت نعمة، ومفارقة هؤلاء كرم وكسب، بعيداً عن الزيف والزائفين، والركض وراء أمجاد لا تساوي رطلاً من الفحم....
سوف أذكرك، يا صديقي، كل يوم، مقروناً بذكريات لا تموت، وقائمة طويلة من إنجازاتك المسطورة في ذاكرة الأجيال، مسكوناً بهموم لا عد لها ولا حصر، هموم الوطن الصغير والوطن الكبير والوحدة التي بقيت راسخة إلى أخر نفس من أنفاسك.
كانت الدنيا مطر عندما وصلتني تلك الرسالة. فأمسكني ألم الغياب عن المشي وراء جنازتك يا صديقي، فاعذرني، فهذا آخر اعتذار بيني وبينك! شملك الرحمن برحمته.
همس
في الموت ينتبه الصديق إلى الصديق
فلا يراه.
فهل نتوب عن الغيابِ؟
لكنا لا نموت!
في الموتِ ينتبه الوجودُ
إلى الفراغ.
في اليأسِ ننتبه إلى سخافةِ الوجود في الحياة.