في معرض حديث مع شخص عزيز بالأمس أورد جملة التقطتها أذني وظللت أفكر فيها، إذ وسط سياق الحديث قال «من المهم أن نسمع»!

نعم جملة أو نصيحة نظل نكررها في محيطنا ونوجهها لأناس كثيرين، لكن السؤال: هل نحن أنفسنا نسمع؟!

لماذا يقال «فلان مستمع جيد» أو «منصت جيد»؟! لأن هذا الشخص المنعوت بهذا الوصف حينما يستمع للآخرين يحاول أن يلم بكل جوانب ما يقولونه، بلا تداخلات وبلا مقاطعات حتى لا يحرق تسلسل أفكارهم أو يقطع السياق بالتالي يحصل خلل في إيصال المعلومات أو القضية كاملة، وإن كانت من تداخلات فإنها على هيئة استفسارات لاستيضاح المزيد، ومن ثم وبعد الانتهاء من الاستماع يكون إبداء الرأي أو المناقشة أو حتى اتخاذ قرار.

قضية «الاستماع» مهمة جداً، لأن كثيراً من الأمور تنحرف مساراتها، وكثيراً من القضايا تضيع وتذهب أدراج الرياح، وكثيراً من الحلول لمشاكل يمكن إيجادها بسهولة، لكن لأننا لا نستمع فإن كل هذا يحصل، والأمور البسيطة يمكن أن تتعقد.

أتذكر خلال دراستي في بريطانيا، حينما كنت أعود للبحرين في فترات متقطعة كان بعض الأصدقاء حين يلاقوني يبادرون بالسؤال عن مدينة الضباب وأمور عديدة فيها ويريدون معرفة المزيد عنها، إلا صديقاً واحداً كان شهيراً بقدرته الفائقة على «عدم الاستماع»، إذ كان يسألني «كيف حال لندن»؟ وفور ما أن افتح فمي وأنطق جملة، يبدأ مقاطعاً بسرد ذكرياته هو حينما كان يدرس هناك، فيتحول الوضع من «استماع» يفترض أن يقوم به، إلى حديث معني بذكرياته.

الفكرة من المثال، أننا لو ندرب أنفسنا على الاستماع للآخرين دون مقاطعات أو لامبالاة أو انتقاص من المعلومات الوافية، فإن كثيراً من الأمور ستختلف، وهنا المثال ينسحب على كثير من الأمور في حياتنا، في منازلنا وفي أعمالنا، وحتى على مستوى الدولة باختلاف منظوماتها.

مثلاً كثير من الانحرافات التي تحصل للناشئة أو خوضهم في مسارات خاطئة سلوكياً قد يكون أحد أسبابه عدم منحهم المساحة الكافية من أولياء أمورهم للاستماع لهم، إذ أولياء الأمور هم من يقررون ويحددون ويتصرفون دون حتى معرفة ما يريد أبنائهم، حتى أنهم لا يستمعون لهم إطلاقاً.

هل مررتم بالتجربة هذه حينما كنتم صغاراً، عندما يتم سؤالكم عن أمنيتكم في المستقبل، فبدل أن تجيبوا أنتم يجيب أولياء أموركم عنكم دون حتى استشارتكم «ابني سيكون طبيباً» أو «ابنتي ستكون مهندسة»؟!

هذا على مستوى اجتماعي، وتتطور المسألة لتدخل مستويات أخرى، فمثلاً حينما لا يستمع النائب لأبناء دائرته ومن انتخبوه فإنه سيتصرف بعشوائية ودون أرضية شعبية، بالتالي السخط من الذين صوتوا له سيكون حاضراً بقوة، فهو لم يكلف نفسه عناء الاستماع لهم، بالتالي لن يعمل وفقاً على احتياجاتهم.

وكذلك الحال بالنسبة للأوساط المهنية، إذ كيف سنطور أعمالنا إن لم نستمع لموظفينا، وكيف سنعمل بشكل صحيح دون أخطاء ونحن لا نستمع للملاحظات التي تبين وجود خلل في مسارات عملنا، وهكذا دواليك تمضي العملية لتدخل في كل شيء.

الاستماع مهم جداً، هو فن بحد ذاته، لا تتسرع في الحكم والقرار دون أن تستمع لمن يعنيه الأمر، وحتى لو كنت تريد المساعدة، كيف أن تساعد شخصاً لا تستمع له بشكل صحيح.