ليُعلَمْ ابتداءً أنَّ الحُكمَ على الشيءِ فَرعٌ عن تصوُّرِهِ، وأمَّا مَنْ شهِدَهُ ورآهُ، أو سَبَرَهُ وخَبَرَهُ، فهو أقومُ شهادةً إن كانَ صادِقاً فيها، وهذه الشَّهادَةُ تصدُقُ فيما لا حَصْرَ له مِنَ الأشياءِ ولا عَدَّ، وكذا فليُعلَمْ أنَّ سُنَّةَ الله فيمن يخدم النَّاسَ ووطنَهُ وأهلَهُ، أنْ يُسخِّرَ اللهُ سُبحانه وتعالى له مَنْ يُظهِرُ خيرَهُ، وكذلك فإنَّهُ قد لا ينجو مِنَ سِهامِ اللوم والعَتبِ، وقد تتناولُهُ الألسُنُ مَدحاً أو قَدْحاً، والمُنصِفُ منِ اغتفرَ قليلَ خطأِ المَرءِ بكثير صوابِهِ، فمَنْ كان مُحسِناً في غالبِ أحوالِهِ فلْيُقابَلْ بالإحسانِ، قال الحقُّ تبارك وتعالى: "هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ"، "الرحمن: "60"".
وكذلك فلْيُعلمْ أنَّ انتِقادَ الآخَرينَ -في مُجتمعاتِنا-كثيرٌ، فلا يكادُ يَسلَمُ منه أحدٌ، وأمَّا النَّقصُ في عملِ ابنِ آدَمَ فلا ينفكُّ منه عامِلٌ، ولا يَعرى منه معمولٌ، فلوِ انتقدَ مُنتقِدٌ أمراً رآه أو ساءَهُ بحقٍّ أو بافتراءٍ، وكذلك فيما لَوِ اشتكى مُشتَكٍ على موظَّفينَ فكُلُّ هذا مشهورٌ، وليس غريباً ولا بعيداً، والمُختصُّون في مملكتنا هُمُ الَّذين يتولَّونَ حَلَّهُ أو تقويمَهُ، ولكنْ أنْ يُمتَدَحَ الموظَّفون فهذا غريبٌ! إذْ لا بَواكيَ لهم، فلنا صَفْوَةُ أَمْرِنا، وَعَلَيْهِمْ كَدَرُهُ!
لِذا فها أنا اليومَ أُسلِّطُ القلمَ وَصْفاً ومَدحاً لأُناسٍ قد لا يَعرفُهم الكثيرونَ إلَّا مَنْ اجترَّتهُ رياحُ التَّفوُّقِ لبناتِهِ وبنيهِ -في هذا البلد المِعطاءِ بحكومتِهِ وشعبِهِ- فأبحَرَ من مرسى ذلك القسم إلى ما يُقدِّرُهُ الله ويرضاهُ من دراسةٍ جامعيَّةٍ لأُولاء المُتفوّقين.
وعلى هذا فهذه الشَّهادَةُ هي من بابِ ذِكْرِ فَضْلِ الفاضلين، وإبرازِ جُهْدٍ لِجُنودٍ مجهولينَ عاملينَ في بابٍ من أبوابِ نفعِ العِبادِ في هذه البِلاد، وهي شهادةُ صِدْقٍ فيما نظنُّهُ لأولاء الرَّهْطِ أوِ الجماعة من النِّساءِ، فأَحْسِبُهُنَّ وَاللَّهُ حَسِيبُهُنَّ، وَلاَ أُزَكِّي عَلَى اللَّهِ أَحَدًا، أَحْسِبُهُنَّ مِمَّن يَعملون، ولا يَكادون يَفتُرونَ إلَّا بِقَدَر، فسدَّدَهم ربي نساءً ورِجالاً، وللخير وفَّقهم.
تنبيهٌ وبيانٌ:
ولْيُعلَمْ ابتداءً أنَّ هذا الإتقانَ وعطاءَ أُولاء النِّسوةِ -الَّذي سأذكرُهُ- ما كان ليقومَ، أو يكونَ لولا فضْلُ الله وحدَهُ ثُمَّ بما أجراهُ على أيدي مَنْ يَسوسُهُنَّ من مسؤولين وإداريينَ في هذه الوزارة الَّتي نسأل الله تبارك وتعالى أنْ تكون هي وسائِرُ وزاراتِنا على خُطَّةِ وِلاة أمرنا حفظهم الله في الإخلاصِ لله، ونفعِ البِلادِ والعِبادِ بَذلاً وإتقاناً وتيسيراً.
وهذا تصويرٌ لذاك المكان:
فالصورةُ فيه مشرِقَةٌ تُنيرُ في رَحَبَةٍ من رَحَباتِ ذلك القِسْمِ الهادئ الظَّاهِرِ لكلِّ ذي عينينِ، هو مبنى إدارة قِسمِ البعثات في وزارة التربية والتَّعليم، والمقصودُ بالوصفِ منه أَحَدُ طوابقِهِ، فكأنَّهُ كظيظٌ بالعاملات في صالَةٍ مُتَّسِعَةٍ بموظَّفيها، فلا تكادُ تَرى فيها رِجالاً، نعم هي رَحَبَةٌ لكنَّها سُقِفتْ بسقفٍ ممدودٍ، جَمَعَ أُناساً نحسبُهم عاملين ناصحين، فجزاهم الله عنَّا كُلَّ خيرٍ.
وأمَّا سببُ كتابتي، فلأنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يقولُ: "لَا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ"، رواه البُخاريُّ في الأدب المفرد "218"، وقال: "مَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ"، هذا لفظُ أبي داود "1672".
ثُمَّ إنَّ لي قَلَماً -بفضل الله- ليس "مُجرَّدَ قلمٍ يَحْكي بِعَبَثٍ" كما يقول فاضِلٌ أُوقِّرُهُ، وهو يصِفُ قلمَهُ تواضُعاً! بل ليَ: " قَلَمٌ بصدقٍ -إنْ شاءَ الله- يحكي"، وسقفُهُ في ذلك قولُ الحقِّ تبارك وتعالى: "وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ"، "يوسف: "81"".
ففي ذلك القسمِ رأيتُ أُناساً يعملون على هذه الحالِ الَّتي وصفتُها آنِفاً، فلا صَخَبَ ولا ضَحِكَ، ولا انشغالَ عنِ النَّاس والمُراجعين بمحادَثَات الزَّمالة أو بمن كان خارجَ المبنى بمُهاتَفاتِ الجوالات!كلَّا، فما هُم عنِ النَّاسِ بمحجوبين، ولا حُجُبَ تحجبُهم عنِ النَّاظرينَ، ولا حيطانَ تحجبُهم عن بعضِهم، لِذا فما من سبيلٍ لهم -فيما نظنُّ- إلَّا العملُ والعطاء، فما أنْ تدخُلَ تلك القاعةَ الكبيرةَ حتى تكادَ تُدرِكُ جميعَ الموظَّفينَ ببصرِكَ، إلَّا قليلاً منهم، فلا بوَّابين لهم، بل هُم محطُّ أنظارِ الدَّاخلينَ والزَّائرينَ.
يأتيهم المُراجِعون أرسالاً تترى، أو جماعاتٍ وفُرادى، وكُلٌّ يأخُذُ حقَّهُ ونصيبَهُ مِنَ الخِدمة والسُّؤالِ: الأوَّلَ فالأوَّلَ، وقد وضعُوا هناك كُرسيَّاً أو كراسيَّ يجلِسُ عليها المُراجِعُ ليأتيه مَنْ يخدمُهُ من أولاء الموظَّفين والموظَّفات، ووضِعتْ كراسيُّ أُخرى للمنتظِرين، وحتى مَنْ يأتيهم مِنَ المُراجعينَ فما يَلبثُ إلَّا قليلاً حتى يتطبَّعَ بهدوئهم، فيتدافعَ هو وإخوانُهُ المُراجعون -من طلبةٍ وأولياءِ أُمورٍ- يتدافعونَ لتقديمِ وإيثارِ بعضِهم على بعضٍ في السُّؤال والمُراجعة، فالأمرُ واسِعٌ، والأخلاقُ -حمداً لله- هُنالِكَ هي الَّتي تَسود.
ومَنْ سُتِروا في داخلِ حُجَرِهم بين أجهزتِهم فلا يتوارَون عَنِ النَّاسِ، ولا زملاؤهُم -الَّذين هُم في مرأى من أعيُنِ النَّاس- يُعمُّونهم عنِ المُراجعينَ، فما أنْ تقولَ أُريدُ فُلانةً أو فُلاناً، فما هو إلَّا القليلُ، حتى يأتيَك مَنْ سألتَ عنه.
وفي ذلك المشهد طغتِ الفاضِلَةُ أمينةُ العلوي وفقها الله بأدبها وأخلاقها، وحُسْنِ سياستِها ونُصحِها، فما رأينا منها إلّا أُمُومةً ونُصحاً لأولادِها وبناتها من طلبةٍ وطالِبات، وما تراها إلَّا قائمةً تُجيبُ السائلينَ، وتأخذُ أوراق الطالبينَ والطُّالِبات، وتُنبِّهُ تلك أو ذاك عمَّا انتقصَ من أوراقِهِ، من غير إكثارٍ أو تعجيزٍ للمتفوِّقينَ بالمُستلزمات، ومن إتقانِها أنَّها تعرِفُ كُلَّ طُلابها، وكُلَّاً منهم تُبشِّرهُ، فيسَّر اللهُ عليها وأخواتِها جميعاً في دُنياهم وأُخراهم كما يسَّروا وبشَّروا، ونفع اللهُ بهم حيثُما صاروا وأقاموا.
موقفٌ وأدب:
فما رأينا من أولئك النِّسوةِ إلَّا حِشمةً وعِفَّة، وأدباً وأمانةً، فنحسبُهنَ أميناتٌ اسماً ومسمَّى، ومن لطيفِ المواقف أني جئتُ يوماً وأنا أراجِعُ لقَبولِ ابنتي الكُبرى فوقفتُ أنظرُ ولا سائلَ لي! والعادةُ والأصلُ أنهم ما يتركون أحداً يقفُ إلا وقد أعطوه سؤلَهُ، أو إنْ جلس هو وسكتَ، فيستحيوا أنْ يسألوه لِمَ جلستَ! فجئتُ يوماً والهُدوءُ كعادته هو الَّذي يَسودُ، والنَّاسُ هُنالك في عملهم منشغِلون! فأخذني شيءٌ مِنَ استغرابٍ! فظننتُ أني سأغلبُهم وأحُجُّهم إنْ حاججتُهم! فقلتُ: كيف نتواصل معكم؟ فهل نُنادي من بعيدٍ! أمَّاذا؟! فإذا فاضِلةٌ من بناتنا تقومُ لي فتحاورُني وتغلبُني بأدبها، وهذا شأنُ الحقِّ فلا يُغلَبُ، وما غالبَهُ أحدٌ إلَّا غلبَهُ! قالت كان يكفيكَ أنْ تقولَ: "لو سمحتم"؟ فكلنا سنُجيبُك حينئذٍ! أو سيأتيك مَن يخدمُك، أو كلمةً قالتْها بنحوِ ذلك يومئذٍ، فأُسقِطَ في يَدَيَّ وسكتُّ!
فهذا منظرٌ جميلٌ، وصورةٌ مُشرِقة في مملكتنا الحبيبة رأيتُها لبناتنا وأخواتنا: لِباسُ حِشمةٍ يَسُرُّ النَّاظرين، وأخلاقٌ تُقِرُّ أعيُنَ الآباء والأزواج والأبناء، وصورةٌ بيضاءُ ناصِعةٌ لخدمة الطلبة والبِلاد، مع جميلِ النُّصحِ برفيعِ الأخلاق، فأحببتُ أنْ يُشاركَني النَّاسُ نظراً إليها، ولْنتنافَسْ في تربية أولادنا وبناتِنا، فإمَّا عملٌ يُرضي اللهَ، ونُصحٌ للبِلاد والعِبادِ، وإمَّا لا، والحمدُ لله ربِّ العالمين.
وكذلك فلْيُعلمْ أنَّ انتِقادَ الآخَرينَ -في مُجتمعاتِنا-كثيرٌ، فلا يكادُ يَسلَمُ منه أحدٌ، وأمَّا النَّقصُ في عملِ ابنِ آدَمَ فلا ينفكُّ منه عامِلٌ، ولا يَعرى منه معمولٌ، فلوِ انتقدَ مُنتقِدٌ أمراً رآه أو ساءَهُ بحقٍّ أو بافتراءٍ، وكذلك فيما لَوِ اشتكى مُشتَكٍ على موظَّفينَ فكُلُّ هذا مشهورٌ، وليس غريباً ولا بعيداً، والمُختصُّون في مملكتنا هُمُ الَّذين يتولَّونَ حَلَّهُ أو تقويمَهُ، ولكنْ أنْ يُمتَدَحَ الموظَّفون فهذا غريبٌ! إذْ لا بَواكيَ لهم، فلنا صَفْوَةُ أَمْرِنا، وَعَلَيْهِمْ كَدَرُهُ!
لِذا فها أنا اليومَ أُسلِّطُ القلمَ وَصْفاً ومَدحاً لأُناسٍ قد لا يَعرفُهم الكثيرونَ إلَّا مَنْ اجترَّتهُ رياحُ التَّفوُّقِ لبناتِهِ وبنيهِ -في هذا البلد المِعطاءِ بحكومتِهِ وشعبِهِ- فأبحَرَ من مرسى ذلك القسم إلى ما يُقدِّرُهُ الله ويرضاهُ من دراسةٍ جامعيَّةٍ لأُولاء المُتفوّقين.
وعلى هذا فهذه الشَّهادَةُ هي من بابِ ذِكْرِ فَضْلِ الفاضلين، وإبرازِ جُهْدٍ لِجُنودٍ مجهولينَ عاملينَ في بابٍ من أبوابِ نفعِ العِبادِ في هذه البِلاد، وهي شهادةُ صِدْقٍ فيما نظنُّهُ لأولاء الرَّهْطِ أوِ الجماعة من النِّساءِ، فأَحْسِبُهُنَّ وَاللَّهُ حَسِيبُهُنَّ، وَلاَ أُزَكِّي عَلَى اللَّهِ أَحَدًا، أَحْسِبُهُنَّ مِمَّن يَعملون، ولا يَكادون يَفتُرونَ إلَّا بِقَدَر، فسدَّدَهم ربي نساءً ورِجالاً، وللخير وفَّقهم.
تنبيهٌ وبيانٌ:
ولْيُعلَمْ ابتداءً أنَّ هذا الإتقانَ وعطاءَ أُولاء النِّسوةِ -الَّذي سأذكرُهُ- ما كان ليقومَ، أو يكونَ لولا فضْلُ الله وحدَهُ ثُمَّ بما أجراهُ على أيدي مَنْ يَسوسُهُنَّ من مسؤولين وإداريينَ في هذه الوزارة الَّتي نسأل الله تبارك وتعالى أنْ تكون هي وسائِرُ وزاراتِنا على خُطَّةِ وِلاة أمرنا حفظهم الله في الإخلاصِ لله، ونفعِ البِلادِ والعِبادِ بَذلاً وإتقاناً وتيسيراً.
وهذا تصويرٌ لذاك المكان:
فالصورةُ فيه مشرِقَةٌ تُنيرُ في رَحَبَةٍ من رَحَباتِ ذلك القِسْمِ الهادئ الظَّاهِرِ لكلِّ ذي عينينِ، هو مبنى إدارة قِسمِ البعثات في وزارة التربية والتَّعليم، والمقصودُ بالوصفِ منه أَحَدُ طوابقِهِ، فكأنَّهُ كظيظٌ بالعاملات في صالَةٍ مُتَّسِعَةٍ بموظَّفيها، فلا تكادُ تَرى فيها رِجالاً، نعم هي رَحَبَةٌ لكنَّها سُقِفتْ بسقفٍ ممدودٍ، جَمَعَ أُناساً نحسبُهم عاملين ناصحين، فجزاهم الله عنَّا كُلَّ خيرٍ.
وأمَّا سببُ كتابتي، فلأنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وسَلَّمَ يقولُ: "لَا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لَا يَشْكُرُ النَّاسَ"، رواه البُخاريُّ في الأدب المفرد "218"، وقال: "مَنْ صَنَعَ إِلَيْكُمْ مَعْرُوفًا فَكَافِئُوهُ"، هذا لفظُ أبي داود "1672".
ثُمَّ إنَّ لي قَلَماً -بفضل الله- ليس "مُجرَّدَ قلمٍ يَحْكي بِعَبَثٍ" كما يقول فاضِلٌ أُوقِّرُهُ، وهو يصِفُ قلمَهُ تواضُعاً! بل ليَ: " قَلَمٌ بصدقٍ -إنْ شاءَ الله- يحكي"، وسقفُهُ في ذلك قولُ الحقِّ تبارك وتعالى: "وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حَافِظِينَ"، "يوسف: "81"".
ففي ذلك القسمِ رأيتُ أُناساً يعملون على هذه الحالِ الَّتي وصفتُها آنِفاً، فلا صَخَبَ ولا ضَحِكَ، ولا انشغالَ عنِ النَّاس والمُراجعين بمحادَثَات الزَّمالة أو بمن كان خارجَ المبنى بمُهاتَفاتِ الجوالات!كلَّا، فما هُم عنِ النَّاسِ بمحجوبين، ولا حُجُبَ تحجبُهم عنِ النَّاظرينَ، ولا حيطانَ تحجبُهم عن بعضِهم، لِذا فما من سبيلٍ لهم -فيما نظنُّ- إلَّا العملُ والعطاء، فما أنْ تدخُلَ تلك القاعةَ الكبيرةَ حتى تكادَ تُدرِكُ جميعَ الموظَّفينَ ببصرِكَ، إلَّا قليلاً منهم، فلا بوَّابين لهم، بل هُم محطُّ أنظارِ الدَّاخلينَ والزَّائرينَ.
يأتيهم المُراجِعون أرسالاً تترى، أو جماعاتٍ وفُرادى، وكُلٌّ يأخُذُ حقَّهُ ونصيبَهُ مِنَ الخِدمة والسُّؤالِ: الأوَّلَ فالأوَّلَ، وقد وضعُوا هناك كُرسيَّاً أو كراسيَّ يجلِسُ عليها المُراجِعُ ليأتيه مَنْ يخدمُهُ من أولاء الموظَّفين والموظَّفات، ووضِعتْ كراسيُّ أُخرى للمنتظِرين، وحتى مَنْ يأتيهم مِنَ المُراجعينَ فما يَلبثُ إلَّا قليلاً حتى يتطبَّعَ بهدوئهم، فيتدافعَ هو وإخوانُهُ المُراجعون -من طلبةٍ وأولياءِ أُمورٍ- يتدافعونَ لتقديمِ وإيثارِ بعضِهم على بعضٍ في السُّؤال والمُراجعة، فالأمرُ واسِعٌ، والأخلاقُ -حمداً لله- هُنالِكَ هي الَّتي تَسود.
ومَنْ سُتِروا في داخلِ حُجَرِهم بين أجهزتِهم فلا يتوارَون عَنِ النَّاسِ، ولا زملاؤهُم -الَّذين هُم في مرأى من أعيُنِ النَّاس- يُعمُّونهم عنِ المُراجعينَ، فما أنْ تقولَ أُريدُ فُلانةً أو فُلاناً، فما هو إلَّا القليلُ، حتى يأتيَك مَنْ سألتَ عنه.
وفي ذلك المشهد طغتِ الفاضِلَةُ أمينةُ العلوي وفقها الله بأدبها وأخلاقها، وحُسْنِ سياستِها ونُصحِها، فما رأينا منها إلّا أُمُومةً ونُصحاً لأولادِها وبناتها من طلبةٍ وطالِبات، وما تراها إلَّا قائمةً تُجيبُ السائلينَ، وتأخذُ أوراق الطالبينَ والطُّالِبات، وتُنبِّهُ تلك أو ذاك عمَّا انتقصَ من أوراقِهِ، من غير إكثارٍ أو تعجيزٍ للمتفوِّقينَ بالمُستلزمات، ومن إتقانِها أنَّها تعرِفُ كُلَّ طُلابها، وكُلَّاً منهم تُبشِّرهُ، فيسَّر اللهُ عليها وأخواتِها جميعاً في دُنياهم وأُخراهم كما يسَّروا وبشَّروا، ونفع اللهُ بهم حيثُما صاروا وأقاموا.
موقفٌ وأدب:
فما رأينا من أولئك النِّسوةِ إلَّا حِشمةً وعِفَّة، وأدباً وأمانةً، فنحسبُهنَ أميناتٌ اسماً ومسمَّى، ومن لطيفِ المواقف أني جئتُ يوماً وأنا أراجِعُ لقَبولِ ابنتي الكُبرى فوقفتُ أنظرُ ولا سائلَ لي! والعادةُ والأصلُ أنهم ما يتركون أحداً يقفُ إلا وقد أعطوه سؤلَهُ، أو إنْ جلس هو وسكتَ، فيستحيوا أنْ يسألوه لِمَ جلستَ! فجئتُ يوماً والهُدوءُ كعادته هو الَّذي يَسودُ، والنَّاسُ هُنالك في عملهم منشغِلون! فأخذني شيءٌ مِنَ استغرابٍ! فظننتُ أني سأغلبُهم وأحُجُّهم إنْ حاججتُهم! فقلتُ: كيف نتواصل معكم؟ فهل نُنادي من بعيدٍ! أمَّاذا؟! فإذا فاضِلةٌ من بناتنا تقومُ لي فتحاورُني وتغلبُني بأدبها، وهذا شأنُ الحقِّ فلا يُغلَبُ، وما غالبَهُ أحدٌ إلَّا غلبَهُ! قالت كان يكفيكَ أنْ تقولَ: "لو سمحتم"؟ فكلنا سنُجيبُك حينئذٍ! أو سيأتيك مَن يخدمُك، أو كلمةً قالتْها بنحوِ ذلك يومئذٍ، فأُسقِطَ في يَدَيَّ وسكتُّ!
فهذا منظرٌ جميلٌ، وصورةٌ مُشرِقة في مملكتنا الحبيبة رأيتُها لبناتنا وأخواتنا: لِباسُ حِشمةٍ يَسُرُّ النَّاظرين، وأخلاقٌ تُقِرُّ أعيُنَ الآباء والأزواج والأبناء، وصورةٌ بيضاءُ ناصِعةٌ لخدمة الطلبة والبِلاد، مع جميلِ النُّصحِ برفيعِ الأخلاق، فأحببتُ أنْ يُشاركَني النَّاسُ نظراً إليها، ولْنتنافَسْ في تربية أولادنا وبناتِنا، فإمَّا عملٌ يُرضي اللهَ، ونُصحٌ للبِلاد والعِبادِ، وإمَّا لا، والحمدُ لله ربِّ العالمين.