ربما لا يزال الوقت باكراً لنقاش مضمون الفيلم المصري «ريش» الذي عرض في مهرجان الجونة السينمائي، وخصوصاً للذين لم يشاهدوا الفيلم مثلي. غير أن الفيلم أحدث ضجة نقدية ليست ذات علاقة مباشرة بمضمونه، ولكن بفهم البعض لدلالاته. ولكن المفاجأة أن «ريش» فاز بجائزة أحسن فيلم في مهرجان الجونة، علما أنه فاز في وقت سابق بجائزة أحسن فيلم في مهرجان كان السينمائي، والجدل الذي دار حول «ريش» يعيد طرح السؤال حول وظيفة الفن، ووظيفة النقد أيضاً.
المعترضون على الفيلم عبروا عن استيائهم من مشاهد الفقر المدقع، والتعرض لما يشبه حياة العشوائيات التي تمكنت الدولة من وضع مشاريع تحد من مآسيها. وبينوا أن الفن يجب أن يكون متوازناً بين عرض الجماليات والقبحيات في آن، وأن عليه أن يعكس التحول الإيجابي الذي تسير فيه الدولة، من أجل بعث الأمل والتفاؤل في قلوب الناس، وليس إحباط معنوياتهم تجاه المستقبل. أما المدافعون عن «ريش» فيرون أنه يجسد واقعاً محلياً وعالمياً؛ فالفقر ومعاناة النساء طابع إنساني مشترك لا يخلو منه مجتمع أياً كان الحال المثالي الذي يتمتع به، ثم إن الفن برمزيته ودلالاته العامة يتجاوز في مقاصده ومغازيه الإشارات المحلية إلى المعاني الإنسانية السامية؛ فالفن لغة مشتركة بين جميع الشعوب.
ربما كانت الأحداث المؤسفة التي مرت بالدول العربية في العقد المنصرم قد خلقت حالة تشويش ذهني جعلت «التفتيش» في النوايا، والبحث في المقاصد سلوكاً حاضراً عند مناقشة كل قضية ذات طابع اجتماعي أو اقتصادي. الحساسية المفرطة والتشنج الذي قد يواجه الأعمال الدرامية قد يكون له مبرره في إمكانية استثمار الفن كمنتج لرصد مشكلات البلاد، والتهجم عليها وخصوصاً من الجهات الخارجية، لكن هذا يجرنا إلى سقطة تسييس الفن الذي يجب أن تتضافر فيه جهود جميع المبدعين والمثقفين لتجاوزها.
الإشكالية التي نعاني منها هي تراجع دور النقد ومستواه، وتراجع اقتناع المبدعين والمتلقين بجدواه؛ فالنقد ليس تلخيصاً للعمل الإبداعي ومدحه أو ذمه. النقد هو تفكيك للعمل الفني أياً كان جنسه، وإحالته إلى مكوناته الرئيسة والكشف عن رؤاه، هو البحث عن كيفية تحول الفكرة الدارجة إلى عمل إبداعي مؤثر على المستويين الإنساني والثقافي.
إنها دعوات متكررة لإعادة بعث النقد من سباته، وإعادة الاعتبار له، بعيداً عن المجاملات والمزايدات والمشاحنات التي تورطت بها الساحات الثقافية، وبغير ذلك يصعب أن نفهم فيلم «ريش» وغيره من الأعمال الإشكالية. ويتعذر تقييمها فنياً.
{{ article.visit_count }}
المعترضون على الفيلم عبروا عن استيائهم من مشاهد الفقر المدقع، والتعرض لما يشبه حياة العشوائيات التي تمكنت الدولة من وضع مشاريع تحد من مآسيها. وبينوا أن الفن يجب أن يكون متوازناً بين عرض الجماليات والقبحيات في آن، وأن عليه أن يعكس التحول الإيجابي الذي تسير فيه الدولة، من أجل بعث الأمل والتفاؤل في قلوب الناس، وليس إحباط معنوياتهم تجاه المستقبل. أما المدافعون عن «ريش» فيرون أنه يجسد واقعاً محلياً وعالمياً؛ فالفقر ومعاناة النساء طابع إنساني مشترك لا يخلو منه مجتمع أياً كان الحال المثالي الذي يتمتع به، ثم إن الفن برمزيته ودلالاته العامة يتجاوز في مقاصده ومغازيه الإشارات المحلية إلى المعاني الإنسانية السامية؛ فالفن لغة مشتركة بين جميع الشعوب.
ربما كانت الأحداث المؤسفة التي مرت بالدول العربية في العقد المنصرم قد خلقت حالة تشويش ذهني جعلت «التفتيش» في النوايا، والبحث في المقاصد سلوكاً حاضراً عند مناقشة كل قضية ذات طابع اجتماعي أو اقتصادي. الحساسية المفرطة والتشنج الذي قد يواجه الأعمال الدرامية قد يكون له مبرره في إمكانية استثمار الفن كمنتج لرصد مشكلات البلاد، والتهجم عليها وخصوصاً من الجهات الخارجية، لكن هذا يجرنا إلى سقطة تسييس الفن الذي يجب أن تتضافر فيه جهود جميع المبدعين والمثقفين لتجاوزها.
الإشكالية التي نعاني منها هي تراجع دور النقد ومستواه، وتراجع اقتناع المبدعين والمتلقين بجدواه؛ فالنقد ليس تلخيصاً للعمل الإبداعي ومدحه أو ذمه. النقد هو تفكيك للعمل الفني أياً كان جنسه، وإحالته إلى مكوناته الرئيسة والكشف عن رؤاه، هو البحث عن كيفية تحول الفكرة الدارجة إلى عمل إبداعي مؤثر على المستويين الإنساني والثقافي.
إنها دعوات متكررة لإعادة بعث النقد من سباته، وإعادة الاعتبار له، بعيداً عن المجاملات والمزايدات والمشاحنات التي تورطت بها الساحات الثقافية، وبغير ذلك يصعب أن نفهم فيلم «ريش» وغيره من الأعمال الإشكالية. ويتعذر تقييمها فنياً.