الفكرة التي عمد البعض الذي يعتبر نفسه «معارضة» إلى تأسيسها وترويجها في السنوات العشر الأخيرة على وجه الخصوص وملخصها أن الحكومة لا تتقبل النقد وأن من يتجرأ وينتقدها عبر أي وسيلة من وسائل التواصل أو الاتصال تتم معاقبته واتخاذ موقف منه وصولاً إلى حبسه فكرة يكذبها ويدحضها الواقع، فلو كان ما يدعونه صحيحاً لما تمكنوا هم من توصيل أفكارهم وآرائهم إلى الآخرين ولما تبين الآخرون والحكومة مواقفهم.

واقع الحال يؤكد أن وسائل الاتصال والتواصل مليئة باستمرار برسائل صوتية وفيديوهات وتغريدات ومقالات ينتقد أصحابها الحكومة وكل ما يصدر عنها، وواقع الحال يؤكد أيضاً أن الحكومة لا تحاسب الناس على تلك الآراء، باستثناء أولئك الذين يتجاوزون ولا يتيحون للقانون سبيلاً غير محاسبتهم.

القصة إذن تكمن في طريقة النقد وليس النقد نفسه، حيث النقد ينبغي أن يطال الموضوع وليس الشخوص، وحيث على الناقد أن يلتزم بآداب النقد والحوار فلا يجوز سب الآخرين والإساءة إليهم والتطاول، ولا يجوز تجاوز العادات والتقاليد والأعراف والقيم والأخلاق.

ما يلاحظه الجميع ولا يخفى أيضا على أولئك الذين يعتبرون أنفسهم «معارضة» هو أن بعض من يجد نفسه «مؤهلاً» للحديث عبر تلك الوسائل يقع في ذلك المحظور ويتجاوز، ومن ذلك على سبيل المثال قول أحدهم في فيديو قصير قام بإعداده ونشره أخيراً للأشخاص الذين انتقدهم «استحوا على وجوهكم»، فهذه العبارة وإن كانت تبدو أن صاحبها قالها نتيجة انفعاله وهو يتحدث إلا أنها غير مقبولة في مجتمعنا، والأكيد أنه هو نفسه لا يقبل أن يوجهها أحد إليه أو إلى أحد من أهله.

هذا يؤكد أن النقد ليس هو الممنوع، فالنقد حق يكفله الدستور، وإنما الممنوع هو التطاول والإساءة إلى من يتم انتقادهم سواء كانوا أفرادا أم جهات اعتبارية، والممنوع هو التحدث بلغة لا تليق بمجتمعنا وأخلاقنا وديننا، والممنوع هو توجيه الاتهامات من دون دليل.