طاهرة شوقي - جمعية البحرين النسائية – للتنمية الإنسانية
لفت نظري عدد التسجيلات والنكات والقصص التي تتحدث عن الآباء وطريقتهم «الدفشة» أحياناً في التعامل مع الأبناء، فوجدت أنها ليست نظرة شخصية فقط، بل وأصبحت «منظوراً» لدور الأب المهم في الأسرة، وكيف أن بعض الأمهات وقت خروجهن يبقين على وجلٍ وقلقٍ عندما يكون الطفل في رعاية أبيه، وأن بعضهن يفضلن أخذ الطفل إلى الجدة أو أي «امرأة» أخرى على أن يبقى في رعاية الأب غير المسؤول في نظرهن.
فهي تقلقُ من عدةِ أمورٍ مختلفة.. الطفل لن يأكل جيداً، أو سيتعرض لألعاب ومداعبات عنيفة، أو ربما سيتم اختراق قوانينها ونظامها المنزلي، كتأخر مواعيد النوم، النظافة وربّما أضافت «الأناقة».. إلخ من المخاوف الواهمة.
عجبًا فهل أبالغُ في وصفي؟ أو إنه أمر طبيعي؟
إن شكوك الأم بشأن مدى «أهلية» الأب وتحمّله للمسؤولية حتماً ستصل للأبناء، سواء تحدثت بها الأم أم لم تتحدث، فهي توصل تلك الإشارات والطاقة السلبية تجاه الأب، فنظرة انتقاد أو عتاب للأب تكفي الطفل ليفقد ثقته بوالده.
وأحياناً نجد الأبناء أنفسهم يظهرون انعدام أو قلة الثقة هذه عندما يرفض الأب طلباً لهم ويقولون: سنسأل ماما! أو يشككون في قراراته.
من المهم لثبات البيت واستقراره وجود أب يُحترم ويُقدر، فذلك أكثر ثباتاً لقلوب الأبناء واطمئنانهم بأنهم يعيشون في بيئة آمنة متوازنة.
فمهما بلغت الأم من الحزم والدقة والتنظيم، فدورُ الأبِ لا يمكنُ لها أن تستبدله أو تتقمصه، فكما أنَّ دورَ الأمِ مميزٌ فكذلك دوْر الأب، وعلى كلا الطرفين أن يعرفا أهمية دور كل واحد منهما ويحترمانه مهما بدا الاختلاف بينهما، وذلك ليحترم الأبناء دورهم في المقابل.
فالأبناء «الأولاد والبنات» يحتاجون إلى وقت لعب «حُر» مع الأب، بعيداً عن مراقبة الأم، ويحتاج الأب أيضاً لهذه المساحة من الحرية ليمارس دوره الأبوي، وإنْ كان هناك سبيلٌ للتصحيح والتصويب أو المناقشة فهو بكل تأكيد ليس أمام الأبناء.
إنَّ تبادل النِكات عن الآباء لا يضعفُ دور الآباء فحسب، بل يدخل ضمن اللاوعي المجتمعي أن الآباء غير مسؤولين، وهذا التفكير لا يؤثرُ على الأم والأبناء فقط بل على الآباء أنفسهم، فهم أيضاً «يصدقون» عدم قدرتهم على أداء هذه المسؤولية وأنَّ دورهم يأتي ثانياً بعد دور الأم ثالثاً، ورابعاً، بعد دور الأجداد، وربّما ينعزلون ويتركون هذا الدور، وبتركهم «تتذمر» الأمهات ويصدقن ظنونهن بصورةٍ أكبر وتبقى هذه الدوامة قائمة لا تنتهي.
لذلك فإنَّ وضوح صورة الأب عند الأم سينعكسُ بكلِ تأكيدٍ على الأبناء، فتنطبعُ هذه الصورة في ذاكرةِ الولد ويكبرُ وهو يعرفُ أنَّ له سنداً وعضداً، ويأخذ دوره كأب في المستقبل، وتورث الفتاة هذه الصورة لأبنائها فيأخذون أدوارهم في أسرهم ولا يتنازلون عنها، وتقوم هي في المقابل باحترام دور زوجها وتقديره، إنها صورة واحدة يحتاجها كلاهما فيشتركان لرسمها... وهي: تغيير المنظور.
فلنعملْ على رسمٍ هذه الصورة معاً.. لأن امتدادها وصداها سيصلُ حتماً للمستقبل.