د. قصي زيباري

بدأت مشواري في الطب منذ سنة 1981 عندما دخلت كلية الطب وتخرجت منها سنة 1987 لتبدأ صفحة جديدة في حياتي كطبيب كنت فيها متنقلاً في فروع الطب في مرحلة الامتياز والإقامة القدمى والدراسات العليا والاختصاص إلى يومنا هذا. وكنت ومازلت لا أجلس في عيادتي عندما لا يكون لدي مريض بل أتنقل بين غرفة الطوارئ والردهات مشاركاً هذا الطبيب بعمله أو تلك الممرضة في سحب الدم أو تغيير الضماد. وبهذا البرنامج اليومي حدثت الكثير من مشاكل العمل اليومي والتي تدخلت بحلها أو كنت شاهداً عليها.

وهنا يبرز مصطلح تعودنا سماعه والعمل على أساسه وهو أن "الزبون دائماً على حق".

انتشر هذا الشعار على نطاق واسع عام 1909 بواسطة بائعي تجزئة مشهورين وناجحين مثل هاري جوردون سيلفريدج، وجون واناميكر ومارشال فيلد. حيث دعوا إلى التعامل مع شكاوى العملاء بجدية حتى لا يشعروا بأنهم خدعوا أو تم النصب عليهم. ولقد كان هذا الاتجاه جديداً ومؤثراً عندما كان التحريف منتشراً وكان التحذير "اجعل المشتري على وعي" مبدأً قانونياً عاماً. وأريد أن أطلب من حضراتكم الوقوف قليلاً للغور في هذا الشعار أو المصطلح.

نعم الزبون أولاً في تقديم أفضل الخدمات له وأولاً في التقدير والاحترام، ومن واجب أي مؤسسة صحية الحرص على تطبيق هذا الشعار إلى أقصى حد ممكن الذي قد يتطلب أعلى طاقات التحمل والإيثار. وهذا يجعل أصحاب المؤسسات الصحية بين إرضاء الزبون إلى أقصى الدرجات وبين الحفاظ على هيبة واحترام موظفيهم وعدم المساس بكرامتهم.

ولكن هل يعقل أن يكون أي شخص دائماً على حق أو هل يجب أن نسلّم بذلك؟!

لماذا لا تكون المعادلة أن الزبون على حق وأن الموظف الصحي بالمقابل هو إنسان يحتاج أيضاً للاحترام والتقدير من قبل الزبون وألا تكون المعادلة أنا صح وأنت خطأ.

قد يخطأ الموظف أو يكون هنالك تقصير في العمل دون الضرر بصحة الزبون مثل تغيير موعد أو تأخير في العرض على الطبيب، وهنا يكون الزبون على حق مع الأخذ بنظر الاعتبار أن هذا التأخير في أغلب الأحيان خارج عن إرادة الطبيب أو أي موظف آخر، مثل ما يحدث في عيادات الأسنان حيث يمكن أن يستجد شيء لدى مريض متسبباً التأخير للمريض الآخر، وهنا المطلوب من الزبون التفهّم لهذه الحالة وعدم الدخول في مشاكل قد تتسبب في قطع أرزاق ذلك الموظف أو الممرضة أو حتى الطبيب.

في إحدى المرات قام أهل شخص متوفى بالشجار مع الكادر الطبي كون المريض وصل ميتاً ولم يستطع الأطباء إنقاذ حياته برغم كل المحاولات. وفي حالة أخرى أتى مريض من أجل إجراء تحليل محدد وعندما حاول الطبيب إقناعه بأنه يحتاج إلى تحليل آخر لحالته وليس هذا التحليل ويرفض المريض ذلك مصراً على طلبه، وبعدها بيوم يأتي المريض ليدّعي بأن الطبيب عمل تحليلاً لا يحتاجه ودخل في شجار مع الطبيب، علماً بأني كنت شاهداً على الحالة من بدايتها.

حالة أخرى، عندما يتأخر المريض عن موعده ساعة ويأتي بعد أن يكون زبون آخر قد دخل للمعالجة لتبدأ مشاجرة جديدة سببها زحمة الطريق وليس تقصيراً من الموظف.

في جميع الأحوال يجب التعامل مع وجهة نظر الزبون في أي حالة تطرح. إذا كنت قادراً أن تعالج تصوراتهم، حتى لو لم يحصل الزبون على كل ما يتوقعه ولكن بالتأكيد فإنه سوف يشعر وكأنك قد عالجت القضية وسيبقى من العملاء وسيشعر أيضاً بالارتياح. وقد تكون قد قدمت خدمة ممتازة للزبون ولكنه قد يرى شيئاً مختلفاً على أساس توقعاته أو نظرته لهذه المؤسسة أو تلك، وهنا أفضل طريقة للتعامل معه أو وضعه بالصورة لتغيير رأيه أو توقعاته وليس نفي ما كان يتوقعه من الأساس.

دائماً النقاش الصحي المبني على مبدأ الاحترام المتبادل يأتي في النهاية بنتائج إيجابية مقنعه لكلا الطرفين.

من هنا يكون دور المؤسسة هو التعامل مع الزبائن أو العملاء بصدق والاستماع إلى ملاحظاتهم والحرص على إدامة التواصل معهم دائماً والحرص على تنفيذ أي اتفاق يتم بين الطرفين.

أما بالنسبة للزبون الكريم فإن المؤسسة تتمنى عليه الاحترام المتبادل وتفهّم الحالات الطارئة التي قد تحدث دون إرادة منهم، والأخذ بنظر الاعتبار أن موظف الاستقبال أو الممرض أو الطبيب هو رب أُسرة قد يتسبب الشجار معه بطرده من العمل وقطع رزقه بناءً على مبدأ "الزبون أولاً"، أو "الزبون دائماً على حق"!

* استشاري الجراحة العامة والمناظير