وليد صبري




* توازن بين المواد الحمضية المفروزة لعملية الهضم والإفرازات الدفاعية لدى الشخص الطبيعي


* إفرازات بكتيريا هليكوبكتر بايلوري تحطم الجدار الوقائي للمعدة

* عوامل وراثية لدى الشخص المصاب بالقرحة تزيد الإفراز الحمضي عن المعدل الطبيعي

* البنكرياس يمول الأمعاء الدقيقة ببيكربونات الصوديوم للتصدي للأحماض القادمة من المعدة

* التدخين يقلل من إفراز البنكرياس للمواد البيكربوناتية المضادة للأحماض

* خلايا في المعدة تفرز إنزيم الببسين قادرة على هضم المواد البروتينية


كشف الأستاذ المشارك بكلية الطب والعلوم الطبية في جامعة الخليج العربي، د.طارق أحمد الشيباني، عن 9 أسباب وراء الإصابة بقرحة المعدة، مضيفاً أن بينها العامل الوراثي، وزيادة إفراز الأحماض، وتناول بعض الأدوية مثل الأسبرين، وكذلك التدخين، وإفرازات بكتيريا هليكوبكتر بايلوري.

وقال في تصريحات لـ"الوطن الطبية" إنه "لو قدر لشخص أن يسحب كمية معقولة من إفرازات المعدة ويضعها في كأس ثم يضع قطعة من اللحم النيئ ويراقب ما يحصل لهذه القطعة لمدة 20-30 دقيقة تقريباً لوجد أن قطعة اللحم سوف تذوب أمام عينيه ولا يبقى منها إلا ألياف ولا يسع المرء إلا أن يندهش ويتساءل كيف أن هذه العصارات تذيب اللحم النيئ ولا تذيب المعدة نفسها وهي نفسها قد خلقت من لحم؟ إن الله الخالق البارئ المصور قد خلق في جدار المعدة غدداً معدية تحتوي على خلايا متنوعة منها خلايا تفرز حمض الهيدروكلوريك وهذا الحمض تصل درجة حموضته إلى pH تساوي واحد".

وتابع أنه "لكي أعرّف القارئ ما هو المقصود بدرجة الحموضة والتي يطلق عليها بـpH فإن الماء النقي متعادل وله قوة pH تساوي 7، وكلما نزلنا عن الرقم 7 كلما زادت درجة الحموضة وكلما ارتفعنا عن 7 زادت درجة القلوية وقلت الحموضة. ودرجة الحموضة في المعدة تساوي تقريباً 2-1 أي أنها على قدر كبير من الحمضية أي أنها تذيب إصبع الإنسان لو بقي في هذه الإفرازات لمدة من الزمن، وهذه الخلايا بالإضافة إلى إفرازها الأحماض فإنها أيضاً تفرز بما يسمى بـالعوامل الأساسية أو الجوهرية والتي تلعب دوراً هاماً في امتصاص فيتامين B12 في الأمعاء الدقيقة وهذا الفيتامين هام جداً في نمو ونضوج كريات الدم الحمراء، وهناك كذلك خلايا تفرز هرمون الـGASTRIN "الغسترين" ويمكن ترجمته إلى هرمون "المعدين" والذي يصب في الدم وله دور هام في التحكم في إفراز حمض الهيدروكلوريك الذي يلعب دوراً فعالاً في عملية الهضم. كما أن هناك خلايا في المعدة تفرز إنزيمات الببسين والتي لها القدرة على هضم المواد البروتينية".

وأوضح أنه "أمام كل هذه الإفرازات تتكون عندنا بحيرة إفرازات معدية ذات حموضة عالية تعمل على هضم ما في المعدة من أغذية وخاصة المواد البروتينية أي اللحوم.. والسؤال الذي يطرح نفسه بشدة هو لماذا إذاً لا تهضم المعدة جدارها المكون من لحم أي من بروتين كذلك؟ إن الله جل وعلا قد زوَّد المعدة كذلك بخلايا تفرز مادة مخاطية غنية بمادة قلوية تضاد حمض الهيدروكلوريك وهي بيكربونات الصوديوم وتكوّن هذه المادة مع المخاط جداراً رقيقاً يغلف المعدة من الداخل أي يبطنها فتفصل جدار المعدة عن محتويات المعدة، وبالرغم من أن هذا الجدار لا يتعدى سمكه 1 ملم أي عُشر السنتمتر ولكنه هام جداً في صد الهجوم الحمضي ويقوم بمعادلة هذه الأحماض قبل أن يتسنى لها هضم جدار المعدة.

وذكر د.الشيباني أنه لذلك عند حدوث عدم اتزان بين إفراز حمضي متزايد وقلة في إفراز الجدار الدفاعي فقد يؤدي هذا الأمر إلى وجود ثغرة في هذا الخط الدفاعي، وبالتالي تؤدي إلى تآكل خط الدفاع وحدوث القرحة المعدية.

وأشار إلى أن "المعدة تفرز حمض الهيدروكلوريك وإنزيمات معدية متنوعة، مما يجعل محتويات المعدة على درجة عالية من الحموضة، فلو وضع الانسان إصبعه فيها لذاب وتحلل هذا الإصبع بعد فترة زمنية معينة. ولكي تحمي المعدة نفسها من هذه الأحماض وعصارات المعدة فقد بطنها الله من الداخل بطبقة رقيقة من المخاط ومواد قلوية تسمى ببيكربونات الصوديوم، ولذلك فعند هجوم هذا الحمض وهذه العصارات على الجدار يتحد الحمض الموجود في الطبقة المخاطية مع هذه المادة القلوية ويكوّن ماء وغاز ثاني أكسيد الكربون الذين ليس لهما ضرر يذكر".

وأوضح أن "هناك اتزاناً بين المواد الحمضية المفروزة لعملية الهضم وبين الإفرازات الدفاعية، فإذا حصل خلل في هذا الميزان بحيث إذا كان هناك إفراز حمضي متزايد أو إفراز قلوي دفاعي متضائل فإن المصير سيكون نشوء القرحة ويطلق عليها عادة القرحة المعوية إذا حصلت في أول جزء من الأمعاء الدقيقة وهي الأكثر شيوعاُ أو تسمى القرحة المعدية نسبة إلى المعدة إذا حصلت في جدار المعدة نفسها".

وتطرق د.الشيباني إلى أسباب الإصابة بقرحة المعدة، موضحاً أنه على وجه العموم يمكن القول إن زيادة إفراز الحمض نسبب في الغالب قرحة معوية في الجزء الأول من الاثني عشر والقريب من المعدة. ومن هذه الأسباب، وجود عوامل وراثية عند الشخص وهذه العوامل تخلق عند صاحب القرحة إفرازاً حمضياً يزيد عن المعدل الطبيعي فتكون الغلبة للهجوم الحمضي على الخط الدفاعي، أما السبب الثاني فهي الضغوط النفسية حيث إنها تسبب تقرحات في المعدة نفسها والجزء الأول من الأمعاء، فهناك ضغوط نفسية ناشئة من نوعية مهنة الشخص أو ظروفه الاجتماعية الصعبة أو حالته العاطفية أو القلق مما يجعله تحت ضغط نفسي متواصل، فهذه العوامل النفسية تجعل دماغ الإنسان يرسل عن طريق عصب معين نبضات كهربائية تصل إلى المعدة، وتحت استمرارية هذه النبضات تقوم المعدة بالاستجابة للأوامر بازدياد إفرازاتها، وهذه النبضات أو الأوامر عادة وفي الحالة الطبيعية تحصل عندما يكون هناك طعام في المعدة، ولكن تحت الضغوط النفسية تحصل هذه النبضات بنفس الطريقة، فلا تميز المعدة بين النبضات الصادرة بوجود طعام أو عدم وجود الطعام، وبالتالي تفرز الإفرازات في معدة خالية من الطعام مما يتيح الهجوم على الجدار الدفاعي وليس على الطعام الموجود في المعدة. أما السبب الثالث، فهو، كثرة شرب الكحول، فكما أنه يزيد إفراز الحمض فهو كذلك يضعف من صناعة المخاط وإفراز البايكروبونات. وبالإضافة إلى المشروبات التي تحوي الكولا والشاي والقهوة والتي تؤدي إلى ازدياد إفرازات الأحماض ولكن اختلف العلماء في تصنيفها تحت المسببات الأساسية.

وذكر أن رابع الأسباب يتمثل في أن المعدة تفرغ ما بها من طعام بسرعة وترسل محتوياتها مع الأحماض إلى الأمعاء الدقيقة، وبالتالي تكون هناك كمية كبيرة من الأحماض تنتقل من المعدة إلى الأمعاء مما يؤدي إلى تزايد وصول الأحماض فتكون الغلبة للهجوم الحمضي وعليه تكون النتيجة نشوء القرحة المعدية.

وفيما يتعلق بخامس الأسباب، فهي أن القرحة الناشئة من ضعف في الجدار الدفاعي، فلها كذلك أسباب منها أن يكون هناك خطأ خَلقي وفطري في تركيبة مادة المخاط وبذلك تفقد هذه المادة دفاعها الطبيعي وتكون أضعف.

وتطرق إلى سادس مسببات القرحة، موضحاً أن من المسببات كذلك بعض الأدوية مثل الأسبرين الذي يوهن هذا الجدار الدفاعي وأيضاً بعض العقاقير المسماة بـNSAID وهي الأدوية غير الستيرويدية والمضادة للالتهابات حيث إنها تمنع صنع المادة المخاطية، وأيضاً بعض الهرمونات مثل التي تفرزها قشرة الغدة الكظرية Corticosteroids فلها نفس التأثير السلبي على الجدار الدفاعي.

وقال إن سابع تلك الأسباب هو التدخين حيث يقلل من صناعة هذه المادة المخاطية، فالتدخين يقلل من إفراز البنكرياس للمواد البيكربوناتية حيث إن البنكرياس يمول الأمعاء الدقيقة ببيكربونات الصوديوم للتصدي للأحماض القادمة من المعدة وعند وصول الأحماض إلى الأمعاء لا تكون هنا مواد قلوية دفاعية، والطريقة الثانية لتأثير التدخين هو أنه يوجد شبه صمام أو تضيق بين المعدة والأمعاء الدقيقة وهذا التضيق يتحكم بنقل محتويات المعدة إلى الأمعاء وكذلك يمنع رجوع الأكل من الأمعاء إلى المعدة، ولكن التدخين يقلل من شدة التضييق في هذا الصمام فتكون الفتحة بين الأمعاء والمعدة أكبر من الحد اللازم، وهنا يكون الطعام غنياً بالأحماض وبكمية كبيرة فيكون لها مفعول سلبي على جدار المخاط، ولذلك فإن التدخين بأكثر من طريقة يحطم الخط الدفاعي ضد الهجوم الحمضي.

وذكر أن ثامن تلك الأسباب يتعلق بدور نوعية الأطعمة في نشوء القرحة حيث يبدو ضئيلاً ومتضارباً، فمثلاً في الهند رغم أن كل وجباتهم تكون مليئة بالبهارات والفلفل وحارة جداً إلا أن معدل إصابتهم بالقرحة لا يختلف عن باقي أقطار العالم.

وأضاف أن تاسع تلك الأسباب يتمثل في أن هناك نوعاً من البكتيريا يسمى بهليكوبكتر بايلوري Helicobacter Pylori أو H. Pylori حيث تدخل عن طريق الفم أو غيره وتعيش في الجدار المخاطي للمعدة، ولكي تحمي هذه البكتيريا نفسها ضد الأحماض فإنها تفرز بعض الإفرازات التي تقوم بتحطيم الجدار المخاطي الوقائي بالإضافة إلى حماية نفسها، وبالتالي يسبب سهولة وصول الأحماض المعدية الى الجدار اللحمي للمعدة ويسبب القرحة.

الجدير بالذكر أن مكتشف هذه البكتيريا وعلاقتها بالقرحة هو عالم أسترالي قد حصل على جائزة نوبل في الفسيولوجيا والطب بعد أن أجرى بحوثاً على نفسه لكي يثبت علاقة هذا النوع من البكتيريا بالقرحة المعوية.

وخلص د.الشيباني إلى أن "هذه هي معظم المسببات للقرحة باختلاف مواقعها، فإن كنت من الذين يعانون منها وتجد سبباً من هذه الأسباب لديك فراجع طبيبك المختص لكي يكتشف حلاً لمشكلتك وعلاج قرحتك ويعطيك بعض الأدوية التي تمنع إفراز الأحماض أو تقلل من الأحماض المفروزة باتحادها مع الأحماض التي بتجويف المعدة كبعض المواد القلوية.