في المقال السابق تحدثت عن أهمية الاستراتيجية الإعلامية وتنفيذها، وأهمية تخصيص ميزانيات «محترمة» للإعلام في سبيل تحقيق تلك الاستراتيجية المنشودة، ولكن اليوم سنسلط الضوء على نحو أكثر تخصيصاً على الإعلاميين في الخليج العربي، ولعلي أقف على البحرين كنموذج، وأتساءل من هم الإعلاميون لدينا؟ في كثير من المجالات التي يشغلها غير المختصين بها، نسمع أن تلك المهنة أصبحت مهنة من لا مهنة له، وكذلك هو الإعلام، رغم أنه يحظى ببعض الكفاءات الإعلامية الحقيقية، إلا أنه لا يخلو من الخبرات المزيفة من غير ذوي الاختصاص.

وعلى نحو أدق، لعلي أقف على كتاب الرأي في البحرين، من هم؟! مع الاحترام والتقدير لبعض الأقلام اللامعة وبعض الخبرات الجديرة بالاحترام، ولكننا إن أردنا مكاشفة حقيقية، فلعل المتابع العادي لاحظ ظهور أسماء جديدة كثيرة في فترات قصيرة، وسرعة تبدلها، لتتحول «صفحات الرأي» في بعض الصحف الخليجية إلى صفحة «بريد قراء» يشارك بها كل من أراد تجربة الكتابة لأيام معدودات، بغض النظر عن معايير الكتابة في تلك الصفحة.

إن الحديث عن الإعلام وما يقع فيه من أخطاء، ليس على سبيل «الحلطمة» والتذمر، وإنما لأننا أصبحنا في زمن بات الإعلام فيه ضرورة ملحة، إنما هو حرب، وهوية، وخطاب محل تحليل للآخر، ما يفرض على الصحافة الخليجية الالتفات بجدية وخصوصاً في الأطروحات السياسية لنوعية الإعلاميين الذين يمارسون تلك المهنة، فقد أصبحنا بحاجة للإعلامي الباحث والمحلل، لنتمكن من العمل على تحقيق ماكنة إعلامية واعية ومدركة لما تقوم به.

في سؤال صادم وجهه لنا أحد الزملاء في سياق الحديث عن التهديدات الإيرانية ودور الإعلام في التصدي لها، بواحدة من اللقاءات النخبوية الخليجية، قال «لماذا فشلنا في إظهار مظلوميتنا أمام العالم؟»، ولعله ليس ثمة إجابة أبسط من القول إننا لا نملك الصناعة الإعلامية التي تملكها طهران وكثير من الدول الكبرى، لأننا ببساطة لا نملك ثلاثة أمور، الإعلاميين الأكفاء، والميزانية، والاستراتيجية الإعلامية.

ورغم أن الحديث يطول حول تلك العناصر الثلاثة، لكن إذا ما توفرت الميزانية بالمقام الأول، فسنتمكن من التغلب على العنصرين الآخرين، ذلك أن الترتيب العقلاني لهذه العناصر والتي تدفع كل منها الأخرى، هو الميزانية، ثم الإعلاميون الأكفاء، ثم الاستراتيجية. فالتمويل هام جداً لاجتذاب الكفاءات الإعلامية المتميزة وتأهيلها، وما تعانيه صحافتنا من تحول «صفحات الرأي» إلى «بريد قراء» إنما هو جراء انسحاب كثير من الكتاب الذين لا يجدون التقدير الكافي، وضعف آخرين اختيروا ليملؤوا مساحات الفراغ مجاناً أو بمكافآت رمزية. ورغم أن المرور في هذا السياق يفرض الوقوف على أهمية التقدير مادياً ومعنوياً للإعلامي الجيد، إلا أن الحمل أثقل من أن يتناول في سطور. المهم أن وجود الإمكانيات المالية والإعلاميين الأكفاء سيقود بلا شك إلى وضع استراتيجية محكمة ورصينة، وتنفيذها على النحو المأمول.

* اختلاج النبض:

سقوط بعض الصحف في منزلق الماكينة الإعلامية منزوعة الفكر والهدف، إنما هو جريمة كبرى ترتكبها بعض المؤسسات الإعلامية بحق دولها ومجتمعاتها، ولا شك في أن الدول شريك في هذه الجريمة بحق نفسها، ما لم تتدارك الظاهرة وتعمل على ضبطها أمام قوة إعلام الآخر.