بعد طول انتظار اقترب دوري وأصبح أمامي ثلاثة مراجعين، ثم سعدت أكثر عندما لم يعد أمامي سوى مراجع واحد فقط، لكن فجأة نهض الموظف خلف المنضدة «الكاونتر» وبابتسامة عريضة من شدة سذاجتي اعتقدت أنها لي، لكنه أخذ يلوح بيديه فنظرت خلفي فإذا بأحد الأشخاص عند الباب يتقدم مسرعاً إليه، وبعد القبلات والعناق والحديث الهامس وتعالى الضحكات طلب منه الانتظار، هكذا فهمت من الإشارة، وقلت في نفسي هذا الموظف رائع. لم أخبركم أني أحسن الظن دائماً لدرجة أن البعض يعتبرني (.....)! لا داعي لذكر ذلك، المهم أنهى الموظف طلب المراجع «العميل» الذي كان يسبقني ونهضت من كرسي وتقدمت وأنا ألملم أوراقي، لم يظهر رقمي على الجهاز، ونظرت إلى الأعلى ومازال رقم المراجع الذي سبقني ظاهراً على اللوحة، نظرت إلى الأمام وكنت قد اقتربت من منضدة «كاونتر» الخدمة لأفاجئ بالموظف يمسك بأوراق صديقه ويباشر خدمته. نظر إلي وأشار بيده أن أنتظر قليلاً، شعرت في تلك اللحظة بأن فلسطين قد اغتصبت مرة أخرى. إذا كنت من هؤلاء الموظفين فحتماً يجب أن تراجع سلوكك وأنت في رمضان وتغيره، فأنت لست أهلاً للمسؤولية وقد خذلت نفسك وأمتك ودينك على أكثر من صعيد وحتماً الكثير من أمثالي من أبناء جلدتك.

أحد الطلاب العرب كان يدرس الطب في أيرلندا كتب عن موقف حصل له وهو هناك، يقول وأنا أتردد ما بين الكلية والسكن كنت أمر على «بقالة» تبيع فيها امرأة، وأشتري منها «الكاكاو» وأمضي في طريقي مسرعاً، وفي مرة من المرات رأيتها قد وضعت مجموعة من نفس نوع الكاكاو بسعر أعلى قليلاً، سألتها: هل هناك فرق بين الصنفين؟ قالت: لا، نفس النوع ونفس الجودة. ازداد اندهاشي، وأدركت ذلك فسارعت لتقول لي إنه حدث مؤخراً في نيجيريا التي تصدر لنا «الكاكاو» مشاكل فارتفع سعره وهذه الكمية من الدفعة الجديدة. قلت في نفسي «اخلطيهم وخلصي روحك، خليك عملية وذكية». لم أستطع كتمان فكرتي العبقرية فطرحتها عليها ويا ليتني ولم أفعل ذلك لأنه لاتزال عبارتها وردها يرن في أذني عندما قالت لي «هل أنت حرامي؟!».

الداعية أحمد ديدات رحمه الله كانت لديه مقولة مشهورة هي أنه «نحن لسنا متخلفين عن الغرب، ولكن متخلفون عن الإسلام»، بكل تأكيد ليس إسلام «داعش» أو «الحشد» الذين تركوا سماحة الإسلام وأغرقونا في دمائنا.

نحن فعلاً فقدنا البوصلة، نمارس الإسلام كشعائر وليس بروح تلك الشعائر، وهذا الدين العظيم، لذلك مازلنا نسقط في امتحان الحضارة الذي يبدأ من صغائر الأمور ويمتد إلى أعظمها. لعلنا في رمضان نحاول أن نستدعي هذه الروح والقيم ونعزم على أن نطبقها على أنفسنا لكي يتوقف سقوطنا في أمتحان الحضارة والأمم المتحضرة. دعونا نتذكر أن الإسلام انتشر بين شعوب الأرض بسلوك المسلمين وممارساتهم وأخلاقهم الرفيعة.

* استشاري ومطور أعمال وقدرات بشرية