تقلبات الحياة وتغير ظروفها المحيطة تعطيك تأملاً واسعاً في واقعك الذي تعيشه، فأنت حينها تستصغر كل شيء من أجل أن تتعافى من كل هواجس النفس وآلام الماضي، والمشكلات التي أثرت فيك وما زالت. تلك التقلبات التي هي سنة من سنن الكون نعيش في ظلالها بأحلامها وسعادتها ومحنتها وآلامها، حتى ندرك في لحظة ما أننا في فرصة حياتية لا تعوّض، ولا بد أن نكون فيها شعلة من الخير، ومن أجل ذلك خُلقنا.
"مُبادرة حكايتي" في رحاب الملكية للأعمال الإنسانية مثال جميل أستذكره دائماً في سطور أيامي، لأنها كانت محطة إسعاد جميلة في حياتي، فهي فرصة "إبداع" وتغيير لنمط التفكير الحياتي لدى العاملين، ومحطة إبراز لقصص نجاح وكفاح وإلهام حياتي لأبطال مروا بظروف صعبة واستطاعوا معها أن يُخلدوا آمالهم وابتكاراتهم ونجاحاتهم في شتى المجالات. حينها كانت الفرصة مواتية لكتابة قصة نجاح هذه المبادرة، وزادها جمالاً تلك الجهود المتميزة التي تقوم بها المؤسسة الملكية في رعاية ذوي الهمم، فكانت فرصة إسعاد لنشارك المجتمع هذه التجربة الثرية، فشاركت المؤسسة في جائزة "مجلس النواب لذوي العزيمة" لتكون تجربة في ذاكرة الأجيال. وبحمد الله تعالى وفضله فازت المؤسسة بجائزة مجلس النواب لتمكين ذوي العزيمة ضمن فئة المؤسسات الحكومية والقطاع العام. كانت بحق فرصة جميلة للإسعاد، بسطور جمّلتها النوايا الصادقة، وهذا هو أساس النجاح، فليس للبهرجة الفارغة ولا للأساليب الإدارية المُعقدة، ولا للتضخيم العابث أي مساحة لتحقيق التميز. في قاعة تكريم ذوي الهمم، كانت السعادة والابتسامة على وجوه الحضور، وهو ما يعطيك الإيجابية لتكون وسط أناس عانوا الكثير ولكنهم نشروا الإسعاد والإيجابية، واستثمروا فرص الحياة، على عكس أولئك الذين انشغلوا في توافه المشكلات وإشغال الآخرين عن مقاصد الحياة الجميلة. إنها فرصة الإسعاد المكسوة بصدق النوايا والإخلاص في العمل.
فرصة لإسعاد قلوب أولئك الذين طحنتهم رحى الحروب وإن كانت أحياناً فرصة محفوفة بالمخاطر والتضحية بالنفوس. هذا ما لمسته في الوفد الكويتي الذي زار غزة مؤخراً وتضمن عدد من الأطباء ومن المتطوعين الذين عقدوا العزم على أن يكونوا هناك، ويساندوا أهل غزة في محنتهم العصيبة ولو بالشيء اليسير. نعم استطاعوا ترك الأثر الذي سيكون باقياً في خلد كل من التقى بهم وظل على قيد الحياة. عندما تُباد غزة وتُباد كل ذكرياتها وكل أحلاهما ومساحات أملها، تظل بعض النفوس تتعلق بأي حبل تراه فرصة مواتية لترك الأثر وبعض مساحات الإسعاد، بوجبة دافئة، وبحضن دافئ وبابتسامة عابرة، وبإنقاذ حياة بعض الأفراد. لقد تركوا غزة بعيون دامعة، وكانوا شهود عيان على حقبة تاريخية موجعة. ولكن سيظل الإسعاد أسلوب تعافينا من أحزان وآلام الحياة، ونستيقن بموعود الله عز وجل: "إن مع العسر يسراً".
فرصة إسعاد تجدها في جنبات بيت من بيوت الله عز وجل، وأنت ترتل كتاب الله الكريم وسط أناس بُسطاء نادتهم أنفسهم للإقبال على أعظم كتاب أنزل، لكي يُرتلوا حروفه ويتأملوا معانيه ويتلذذوا بخطابه، ويترنموا بقراءة آياته. هكذا وجدت فرصة "إسعاد" في حلق القرآن الكريم، مع ثلة من المُصلين أحبوا هذا المكان فأحببتهم، وأحببت سويعات أقضيها معهم كل أسبوع أتلذذ معهم بترديد آيات القرآن الكريم. كانوا بالأمس يستثقلون قراءة الحروف والآيات، وهم اليوم يتلذذون بقراءته بالترتيل والتجويد المُتقن. تتجدد في كل مرة هذه المعاني، وتبتسم الوجوه، وتتصافح الأيادي بعد الانتهاء من الحلقة التي نختمها بدعاء خالص ترفع فيه الكفوف إلى المولى الكريم. جميلة هي هذه الفرصة التي أسأل الله تعالى أن يكتب أجر كل من حضرها في عليين.
سبحان الله يختارك المولى في أيام حياتك في محطات يُحب أن يراك فيها مُنجزاً مؤثراً وإن تكالبت عليك الظروف أحياناً وأردتك حبيس الهموم. هي محطات تمحيص لأفراد يتساقطون من مسيرك، وتنفضح رؤاهم، ولا يبقى في نهاية المطاف إلا تلك النفوس الصادقة الصافية قلوبها العاشقة لمعاني الخير، والتي تُحب للآخرين ما تُحب لنفسها. سبحانك يا رب، تعطينا مواقف الاختبار، حتى نعود لذاتنا أولاً، ونتحرر من معتقدات بالية، ونتعافى من هموم شيطانية، ونترك معارك الحياة التافهة، ونتفرغ لرسالة الحياة السامية، ونعرف أحبابنا الذين ساندونا بحُب في دروب الحياة. فلك الحمد ربنا ولك الشكر.
ومضة أمل
أعانق صفاء ذلك القلب الصافي الجميل الذي يقف معي في ملمات الحياة، ويساندني في كل العراقيل، فيذكرني بتوفيق الله تعالى وبعونه، وبأقداره التي تعطيني الثقة بموعوده الذي وعد عباده الأصفياء. قليلة هي تلك القلوب التي تستذكر محبتك، وتبقى معك تساند أثرك في مسير الحياة، ربي احفظها لنا وجمّلها بالخير والثبات على الاستقامة.