يقبل علينا خلال أيام، عيد الأضحى المبارك، أعاده الله علينا وعلى الأمة العربية والإسلامية والعالم أجمع بالخير واليمن والبركة، وهي المناسبة التي يذهب فيها مئات الآلاف من المسلمين إلى بيت الله الحرام ليجتمعوا هناك على اختلاف أجناسهم وألوانهم وألسنتهم في أكبر تجمع بشري في مناسبة واحدة في التاريخ الإنساني.. العربي والأعجمي.. الكبير والصغير.. الغني والفقير.. الأبيض والأسود، الكل يكبر ويهلل ويقبل على الله بقلوب خاشعة رغباً ورهباً وطمعاً في الثواب والمنفعة في الدنيا والآخرة، يقول الله تعالى «ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام»، فمنافع الدنيا هي السياحة في الأرض والتمتع بالمشاهدة والمشاركة في هذا المشهد الفريد وكذلك من الرواج الاقتصادي والذبائح ومنافع الآخرة مغفرة الذنوب ورضوان الله وحج مبرور ليس له جزاء إلا الجنة.

الكل يؤدي المناسك وهو متحلل من زينة الدنيا لكي يتساوى الجميع في ضيافة الرحمن، ويكفي الحجاج شرفاً وتعظيماً في يوم عرفة أن الله يباهي ملائكته بهذا الحشد الذي جاء من كل فج عميق لا هدف لهم إلا غسل الروح وتطهيرها من الذنوب والآثام، وبدء صفحة جديدة في دفتر الحياة، لا يكتب فيها إلا الحسنات، وما يتقرب به العبد من ربه، ولا يعود إلى ظلم نفسه والآخرين معه.

فريضة الحج هي منحة إلهية وهدية ربانية لكل موحد في أن ينجو من الهلاك والغرق في ظلمات المعصية والشقاء، هي لفتة ربانية لكي يتدبر فيها كل منا عظمة الخالق ورحمته بعباده، فجعل الله هذه الفريضة لمن يستطيع أن يؤديها وكتبها أيضاً لمن يرجوها، ولم يستطع أداءها، فكلاهما فاز بالأجر والثواب وبجنات عرضها السماوات والأرض، وذلك هو الفوز العظيم، وتلك هي الرحمة الواسعة، والتي لا يفطن إليها إلا كل محب متقرب يرجو عفو ربه، ويُحرم من تدبرها كل شقي لا يؤمن بالله ولا باليوم الآخر. أجواء موسم الحج وعيد الأضحى يمتزج فيها عطر الإيمان بنسيم المحبة والسلام النفسي لتنطلق الروح في آفاق رحبة من الفرح والسكينة متحررة من قيود الشحن والبغضاء والخصام والاكتئاب والملل، وهي فرصة من الفرص العظيمة التي شرعها الله ليراجع كلٌ منا ما فرط فيه في الحقوق والواجبات الدنيوية والأخروية، ولنعلم الحكمة من العبادات، وما ترسخه في النفوس من قيم وأخلاقيات ومنهج ومعنى حقيقي للسعادة، فالحكمة ضالة المؤمن.