الفكرة من الإضراب -أياً كان نوعه- هي الضغط وتوصيل رسالة ولفت انتباه الجهة المعنية إلى أمر ما أملاً في تصحيحه "على اعتبار أنه خطأ من وجهة نظر الذي اختار هذا الأسلوب للتعبير"، وهو حق متاح للجماعات وللأفراد وتضمنه القوانين الدولية، لكن المبالغة في استخدام هذا الحق يضر بمستخدميه لأن الغاية من الإضراب تتحول في هذه الحالة من الضغط ولفت الانتباه وتوصيل الرسالة إلى أمور أخرى، فيخسر المضربون الحماية التي يوفرها لهم القانون وينفر الناس منهم، فالزائد -في أمثلتنا الشعبية- كالناقص، وليس للناقص قيمة. وطالما أن المضربين أوصلوا الرسالة إلى الجهة ذات العلاقة ومارسوا الضغط الذي يبيحه القانون فإن الاستمرار فيه يعني أن هناك أهدافاً أخرى له وليس الأهداف المعلن عنها فقط.

في إحدى المرات حضرت مع صاحب إحدى المؤسسات الصحافية اجتماعاً طلبه موظفون كانوا قد قرروا الإضراب عن العمل في يوم محدد، وأتذكر أن صاحب المؤسسة سألهم عن الهدف مما هم مقبلون عليه فقالوا إنه لتوصيل رسالة إليك ولفت انتباهك إلى أهمية تصحيح أمر معين، فقال لهم الرسالة وصلت وقد لفتم الآن انتباهي وأنا بصدد تصحيح الخطأ وتنفيذ مطلبكم خلال أيام فلماذا تريدون أن تضربوا وتربكوا العمل؟ لم يوفروا جواباً لكنهم نفذوا الإضراب فتسببوا في زيادة مساحة الخلاف بينهم وبينه وتبين لهم بعد قليل مقدار الضرر الذي تسببوا فيه ووقع عليهم وعلى من وثق فيهم وقبل بمشورتهم.

الإضراب الفردي أو الجماعي عن العمل بالتوقف عنه، والإضراب عن الطعام بالتوقف عن تناوله والاستعاضة عنه بالماء والحليب والعصائر، بغية ممارسة الضغط على الجهة ذات العلاقة وتوصيل رسالة وتصحيح خطأ أو خلل ما حق، لا أحد يستطيع أن يحرم الناس الاستفادة منه بممارسته كون القانون الدولي يتيحه، لكن المبالغة في ممارسة هذا الحق هو الإشكال الذي يقع فيه البعض فيخسر ولا يتمكن من الحصول على مراده. وللأسف فإن هذا من الأمور التي لايزال من يعتبرون أنفسهم "معارضة" دون القدرة على استيعابه وإلا كيف يمكن أن يتحول إضراب شخص عن الطعام يتخذ من مكان ما ساحة لإضرابه إلى تجمع تقرأ فيه الأدعية كي يتحقق مطلب قال المضرب نفسه إنه تحقق؟! مثل هذا المشهد يخرب كل ما سعى إليه ذاك الذي اتخذ قراراً بإيذاء نفسه ويؤكد أن الهدف مختلف وليس ما تم الإعلان عنه.

في بريطانيا وغيرها من الدول الغربية توجد قوانين تنظم كل هذه الأمور وبالتالي يصعب على الدول والمنظمات الدولية التدخل فيها، لكن لأن السماح للبعض بالاستمرار في سلوكه -الذي يعتبر سالباً طالما أن الرسالة وصلت والهدف تحقق- يدفع إلى التساؤل عن مصلحة تلك الدولة في التبرير لممارسة ذلك لذا صار من حق الدولة المتضررة إشهار هذا التساؤل وغيره والمطالبة بمراجعة الأمر، فما يحدث يتضمن تجاوزاً يفترض ألا تقبل به الدولة التي ينفذ فيها سين أو صاد ذلك "الحق".

ما يجري منذ أيام أمام سفارة المملكة في لندن يدفع إلى التساؤل عن الهدف الحقيقي من إضراب أحد الأشخاص عن الطعام واعتصامه هناك خصوصاً وأنه قال بشكل واضح إن الجهة المعنية استجابت لمطالبه وأن ما أراده تحقق، فالقصة تحولت من إضراب شخص عن الطعام إلى استغلال للمكان وتحويله إلى موئل يستغله البعض للتعبير عن التعاطف مع "المعارضة" بالنوم فيه! وساحة تشعل فيها الشموع وتقرأ فيها الأدعية الجماعية. لهذا فإن ذلك السؤال وغيره من الأسئلة تفرض نفسها بقوة خصوصاً وأن المعنيين بالسفارة لم يعمدوا إلى مضايقة أحد رغم تعطل مصالح قاصديها وتضرر إيقاع العمل فيها، وهو ما يحسب للبحرين.