من عام 1993 إلى يوليو 2023 شهد لبنان صعود وسقوط محافظ البنك المركزي السابق رياض سلامة، الذي بات موضع تحقيق من دول عدة، وفقاً لصحيفة فايننشال تايمز، التي قدمت تقريراً عن مسيرة «الساحر»، استندت فيه إلى مجموعة من وثائق التحقيق اللبنانية والأوروبية، كاشفة أن سلامة أنشأ متاهة حسابات مصرفية واعتمد على شركة وهمية لاختلاس نحو 330 مليون دولار، بالتعاون مع مسؤولين لبنانيين، ومقربين له، وعملاء في الخارج.

تقول الصحيفة إنه في يونيو 2021، بينما كان لبنان يعاني من أزمة مالية منهكة، هبط حاكم مصرف لبنان المركزي في مطار لو بورجيه في باريس، على متن طائرة خاصة، حيث اكتشف مسؤولو الجمارك انه يحمل كميات كبيرة من النقود غير مصرح بها.

سلامة أخبر موظفي الجمارك في البداية أنه كان يحمل 15 الف يورو فقط، لكنهم عندما قاموا بتفتيش حقائبه وجدوا بدلاً من ذلك نحو 85 الف يورو و7.7 آلاف دولار، وعندما طُلب منه تبرير المبالغ غير المعلنة، قال إنه ببساطة «نسي» أن النقود الخاصة به -كانت في حقيبته، وفق تحقيقات الشرطة.



متاهة حسابات مصرفية

وتتابع الصحيفة أن سلامة أخبر المحققين الأوروبيين أثناء استجوابه أنه في عام 1993 بلغت قيمة ممتلكاته النقدية والعقارات 60 مليون دولار، بما في ذلك 8 ملايين دولار من أراضي العائلة الموروثة. وقال إن ثروته الآن تبلغ 200 مليون دولار (أكثر من ثلاثة أضعاف في غضون 30 عاماً)، مبيناً انها تراكمت في سنوات عمله كمصرفي استثماري وما تلاه من استثمارات حكيمة.

لكن دراسة مالية - بتكليف من محققين ألمان - في عام 2022 خلصت إلى أن سلامة «لم يكن بإمكانه أن يجمع ثروته كلها بالأموال التي كان يمتلكها بشكل شرعي قبل تولي منصب الحاكم».

وتقول الصحيفة إن سلامة، جنباً إلى جنب مع شقيقه رجا، متهم بسرقة ما لا يقل عن 330 مليون دولار من الأموال العامة، وغسلها، من خلال متاهة من الحسابات المصرفية الدولية والحسابات الخارجية المرتبطة بعائلته وعشيقاته، وشراء عقارات فاخرة من ميونخ إلى نيويورك، والاحتيال على البنك المركزي لاستئجار مساحات مكتبية باهظة الثمن في باريس من شركة يملكها.

شركة وهمية

ولفتت «فايننشال تايمز» إلى أن وثائق التحقيق مع سلامة كشفت أنه اعتمد على شركة غير معروفة تدعى Forry Associates تأسست عام 2001 وهي مسجلة في جزر فيرجن البريطانية، ومملوكة بالكامل من قبل أخيه رجا.

ويقول المحققون الأوروبيون إن هذه الشركة كانت الوسيلة الرئيسية التي اختلس من خلالها سلامة 330 مليون دولار من مصرف لبنان بين عامي 2002 و2016، ووجه الكثير من هذه الأموال إلى عمليات الاستحواذ على العقارات الفاخرة في عواصم أوروبية، لبنان ونيويورك.

وفي 6 أبريل 2002، وقعت الشركة عقد وساطة مع مصرف لبنان، ما سمح لها بالعمل كوسيط بين مصرف لبنان والمصارف التجارية لشراء أو بيع أدوات مالية مثل سندات اليورو وسندات الخزانة وشهادات الإيداع.

وبموجب هذا العقد، الذي وقعه رياض سلامة ومدير شركة يُدعى كيفن والتر، حصلت شركة فوري على أتعاب وسيط تصل إلى 0.38 في المئة من قيمة كل معاملة.

وفي بحث عام 2022 عن مقر فوري في بيروت - نفس العنوان المسجل كمكتب رجاء سلامة السابق - لم يكن هناك موظفون، ولا خط هاتف ثابت، ولا ورق يحمل اسم فوري عليه.

لا عقاب داخلياً

وفيما لدى القضاء اللبناني دعاوى بحق سلامة، ترى «فايننشال تايمز» أن الإفلات من العقاب منتشر في الدولة المتوسطية الصغيرة، فقد تعثرت التحقيقات، وتم شطب قاضية بسبب محاولاتها التحقيق مع سلامة ومسؤولين لبنانيين كبار آخرين.

وقالت الصحيفة إن سلامة يحظى بحماية واسعة داخلياً، نظرا لارتباطه بالنخبة الحاكمة، ما قد يدفعه للبقاء في لبنان، لتجنب الاعتقال والاستجواب في الخارج، مبينة أن هذا الترتيب يناسب سياسيي لبنان بشكل جيد، ناقلة عن أحد كبار السياسيين: «طالما بقي (سلامة) هنا، فلن يصرخ (معلناً أسرارهم) ويبقى الجميع سعداء»، مردفة أن «البنوك قلقة من المعلومات المتسربة بشأن الأموال التي خرجت من لبنان خلال الأزمة من قبل المودعين الأثرياء».

وأضافت الصحيفة أنه «يُزعم أن محافظ البنك المركزي قد صنع حمايته بنفسه داخل لبنان. بعد أن ترك مصرفه المركزي، مع وجود أسرار في الطريق، كما يقول السياسي البارز، أعلن أنها مبعثرة على أقراص فلاش ميموري خارج البلاد، في حال حدوث شيء سيئ له».

لكن سلامة اليوم ومقربين منه، بينهم شقيقه رجا، ومساعدته الشخصية ماريان الحويك، محور تحقيقات قضائية في لبنان، والولايات المتحدة، وسبع دول أوروبية على الأقل. دولتان منها لديهما مذكرات توقيف بحقه. وعوقب من قبل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا.