غزة - عز الدين أبو عيشة

لم تكن مدينة حمد السكنية الواقعة جنوب قطاع غزة مشروعاً خيرياً من دولة قطر، كما أعلن مسبقاً، أو دعماً للطبقة الكادحة، بل جاءت لتثقل كاهل المواطنين بأسعار الشقق التي لا تتماشى مع الوضع الاقتصادي الصعب في القطاع، وتتحول لمشروع استثماري يمرر من خلاله مال سياسي بغطاء خيري.



تعود فكرة تأسيس مدينة حمد في غزة، إلى العام 2012، حيث تبرع بها أمير قطر السابق حمد بن خليفة آل ثاني، إلى سكان القطاع أثناء زيارته إلى غزة، بدعوة من نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس آنذاك إسماعيل هنية، للاطلاع على الدمار الذي خلفه العدوان الإسرائيلي على القطاع.

وأثناء زيارة حمد الأب يفترض أنه تبرع بنحو 407 ملايين دولار أمريكي لقطاع غزة لإقامة عدة مشاريع حيوية، من أبرزها مدينة سكنية تضم نحو 2500 شقة، توزع على الفقراء والكادحين، وأسر الشهداء والمتضررين من العدوان الإسرائيلي، كما ذكر في البداية أثناء الإعلان عن بناء المدينة.

يعد المشروع منحة قطرية وينفذ على أراضي المحررات "المستوطنات"، غرب مدينة خان يونس جنوب القطاع، وتصنف حالياً على أنها مشاع حكومي. وتقرر البناء على مساحة 126 دونماً بما يشمل 53 عمارة سكنية بارتفاع 5 طوابق، تحتوي على قرابة 3 آلاف وحدة سكنية. وتضمنت المرحلة الأولى من المشروع بناء ما يقارب 1060 شقة، كان من المقرر أن توزع مجاناً للفئات المذكورة، فيما تشمل المرحلتين الثانية والثالثة 2000 وحدة سكنية.

وسرعان ما تبلورت فكرة بيع الشقق بأسعار مناسبة، واستثمار المال العائد لبناء شقق جديدة يستفيد منها أكبر عدد من المواطنين، لكن ذلك القرار الذي اتخذته حكومة حماس المسيطرة على القطاع، غيّر الفئة المستهدفة من ذات الفقر المدقع إلى أشخاص بإمكانهم شراء شقق سكنية بالأسعار المعروضة.

وقتها أعلنت وزارة الأشغال العامة والإسكان عن طريقة التقدم للحصول على شقة في مدينة حمد، وبعلم السفير القطري محمد العمادي تم عقد مؤتمر للإعلان عن الأسعار وموعد القرعة العلنية التي تقرر أصحاب الشقق، مقابل دفع الأقساط الشهرية، وهنا تحولت مدينة حمد إلى مشروع استثماري، بموافقة من الدوحة في عهد أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني.

استياء شعبي

الأمر أثار غضب المواطنين ودفعهم للتوجه إلى وزارة الأشغال لمطالبتها بإرجاع الشقق منحة كما كان مقرراً سابقاً، ووفق ما جاء في الإعلان.

ممثل السكان في المدينة أشرف أبو المشايخ قال لـ"الوطن"، إن الناس توجهوا لوزارة الأشغال العامة والإسكان وطلبوا منهم مرات عدة إعفاءهم من دفع رسوم الشقق، وتحويلها منحة نظراً لظروف القطاع المتردية.

وأضاف أبو المشايخ "حاولنا الضغط على الوزارة من خلال عدم دفع الأقساط، وتقديم شكوى رسمية للسفير القطري، والاعتراض مراراً على بيع الشقق".

وأشار أبو المشايخ إلى أنه "ليس بمقدور الأشخاص دفع أقساط الشقق شهرياً"، مستنكراً موافقة السفير القطري على قرار الوزارة بالبيع "ما يدل على وجود شيء خفي في ملف المدينة".

ويتساءل السكان عما إذا كانت الدوحة على دراية بما تضعه حكومة حماس من شروط لعملية البيع، وإن كان كذلك لماذا لا تعترض وترفض البيع؟

وبحسب السكان، فإن القطريين موافقون على بيع الشقق بدليل تقديم سلسلة اعتراضات وتظلمات للسفير القطري قوبلت جميعها بالرفض.

وبالتدقيق في شروط الوزارة، نجد أنها تشترط دفع المتقدم مبلغ 5 آلاف دولار دفعة أولى لاستلام الشقة، وتؤجل باقي الأقساط على 20 عاماً، ويصل ثمنها إلى نحو 40 ألف دولار، وعلى المتقدم أن يكون له كفيلان، ما يسبب كثيراً من الخلافات، ويشترط أن يكون صاحب الشقة عميلاً في البنك الوطني الإسلامي، أحد البنوك التابعة لحكومة "حماس"، وغير معترف به من سلطة النقد الفلسطينية.

وعند النظر في أسعار الشقق المطروحة يلاحظ أنها أعلى من السعر المتعارف عليه في القطاع، فيبلغ ثمن الشقة في مدينة غزة نحو 40 ألف دولار، بينما يصل سعر الشقة في خان يونس جنوب القطاع، قرب مدينة حمد نحو 25 ألف دولار.

وكيل وزارة الأشغال العامة والإسكان ناجي سرحان قال في تصريحات صحافية سابقة "لا يمكن أن تكون هذه المشاريع مثل كابونة توزع مجاناً على المواطنين كما يعتقد البعض، وعلينا أن ندرك جيداً مدى ضرورة بيع الشقق وتأثيرها على الاقتصاد في غزة".

وبيّن أنه "من لا يدفع الدفعة الأولى المقدرة 5 آلاف دولار، يستثنى اسمه من المشروع ويوضع اسم آخر من سجلات الاحتياط والقادرين على الدفع (..) من لا يدفع الأقساط ستسحب الشقة منه فورًا وترد له أقساطه السابقة".

مال سياسي خفي لحماس

وقال المحلل السياسي وسام الفقعاوي إن "عملية بيع شقق مدينة حمد جاءت بموافقة قطرية وأن هذه الخطوة مرتب لها مسبقاً، بهدف تمرير مال سياسي خفي لحركة حماس تحت ذريعة دعم الشعب الفلسطيني".

وأضاف الفقعاوي لـ "الوطن" "لا يمكن أن تموّل قطر "حماس"، بشكل مباشر حتى لا تثير الرأي العام الدولي، بل تجد طرقاً خفية تمرر من خلالها مبالغ مالية للحركة وهنا تحولت المدينة لمشروع استثماري بحت".

وأكد الفقعاوي أن "المستفيدين من الشقق جزء كبير منهم من موظفي "حماس"، ما يحمل في طياته دلائل كبيرة على الدعم غير المعلن"، لافتاً إلى أن "قطر لا تستطيع دفع مبالغ مالية لـ"حماس"، مباشرة وخاصة بعد عدم اعتراف الرئيس محمود عباس بحكومة حماس، ورفضها عربيًا ودوليًا".

ومن الناحية القانونية، يقول عميد كلية القانون في جامعة غزة أحمد حسنية إن "أمر مدينة حمد مرهون بطريقة التبرع إذا كان للشعب فلا يجوز البيع قانوناً، وهذا ما أعلن عنه في بداية المشروع".

وأضاف لـ"الوطن" "إذا تبرعت قطر لحكومة غزة، فإنها حكومة مقالة ولم يعترف بها الرئيس عباس، ولم يصادق على قرار بيع المدينة، علاوة على رفض فكرة التصرف بالمال العام دون قرار من الرئيس".

يذكر أن مدينة حمد، لم تكن المنحة الخليجية الاولى للغزيين المتضررين من الحروب أو أصحاب الدخل المحدود، إذ شيدت دولة الإمارات العربية المتحدة مثلاً مدينة الشيخ زايد شمال القطاع في عهد السلطة الوطنية، ووزعت الشقق آنذاك البالغ عددها 736 شقة على المواطنين مجاناً، وكذلك الحي السعودي الممول من المملكة العربية السعودية.