العربية

وسط كل الأزمات التي يعيشها السوريون كل دقيقة، أتى قرار جديد ليزيد الطين بلة، ولم يعد على لسان الناس في بلد أرهقته حرب لأكثر من 11 عاماً، إلا معضلة "رفع الدعم".

"الأكثر ثراء"فقد انشغل المواطنون على مدار اليومين الماضيين في مناطق سيطرة النظام، بقرار رسمي، يفيد بتخلي حكومة النظام عن سياسة "الدعم الحكومي" لفئات محددة من المجتمع السوري، وهو ما أثار سخطاً شعبياً واسعاً قد ينذر بـ"كسر حاحز الخوف لدى السوريين مرة جديدة".

فالمنتقدون هذه المرة مقربو النظام وأنصاره، أكثر من معارضيه، وسط دعوات لافتة من أسماء اشتهرت بالدفاع عنه، للتظاهر ورفض القرار.

ولعل هذا الدعم الذي قرر النظام التخلي عنه، كان يشمل منذ عقود أسعار المواد الأساسية التي يحتاجها المواطنون بشكل يومي، من خبز ومحروقات بشتى أنواعها، خاصة مادتي البنزين والمازوت وأسطوانات الغاز.

الأزمة بدأت من تصريح لوزيرة في حكومة النظام الاثنين الماضي، أعلنت فيه أن الدولة استبعدت فئات عدتها "الأكثر ثراء"، من الدعم الحكومي للمواد الأساسية كالخبز، والغاز، والمازوت، والمواد التموينية، زاعمة أنها تشمل الفئات "الأكثر ثراء"، مع العلم أن دخل تلك الفئات لا يتجاوز الـ30 دولاراً أميركياً شهرياً.

وأعلنت معاونة وزير الاتصالات والتقانة في حكومة النظام، فاديا سليمان، أن من بين تلك الفئات الأسر التي تملك أكثر من سيارة، ومالكي السيارات السياحية التي سعة محركها فوق 1500cc طراز 2008 وما فوق، ومالكي أكثر من منزل في نفس المحافظة، ومالكي العقارات في المناطق الأغلى سعرا، إضافة إلى المغتربين الذين مضى على مغادرتهم البلد أكثر من عام، والمقدّر عددهم تقريباً بنصف مليون سوري، على أن يضطروا لشراء المواد الأساسية بسعر السوق الحرة، وخاصة الخبز ومواد المحروقات.

وبهذه الحالة، سيكون أمام المستثنى منهم الدعم شراء ربطة الخبز بـ1600 ليرة سورية تقريباً بدلاً من 200 ليرة.

وقد أثار هذا القرار سخطاً واسعاً عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن اللافت بالأمر أن أصواتا مقربة من النظام واشتهرت بالدفاع عنه طيلة سنوات الحرب، قد علت مطالبة بتغيير القرار فوراً.

فقد أعلن شادي أحمدي، وهو خبير اقتصادي موالٍ للأسد، أنه سيتقدم بطلب لوزارة الداخلية من أجل الخروج بما سمّاها "مظاهرة سلمية"، أمام البرلمان وسط العاصمة دمشق من أجل التنديد بالقرار.

في حين، اعتبرت نهلة عيسى، وهي أستاذة في كلية الإعلام جامعة دمشق، وتشغل منصب نائب عميد الكلية، ولطالما اشتهرت بمواقفها ا"التشبيحية"، بأن ما يجري تعسفاً، وكشفت أنها لا تملك سوى سيارة موديل 2009، كانت بدأت تقسيطها منذ 12 عاماً، مع راتب شهري لا يتجاوز 200 ألف ليرة سورية، (50 دولارا أميركيا) شهريا، مؤكدة أنه مع قرار رفع الدعم ستنفق كل راتبها لشراء وقود.

وخاطبت الحكومة بأن ملء خزينة الدولة لا يأتي على حساب كرامات الناس، وفق تعبيرها.

وأضافت أصوات أخرى مؤيدة للنظام أيضاً، بأن قرار الحكومة الأخير، هو قرار ظالم بحق شريحة كبيرة من المواطنين، حيث إنها حرب سلاحها رغيف الخبز، وذكّروا الأسد بمقولات للأسد الأب حذّر فيها مراراً من الاقتراب من قوت الناس.

كما طفت مطالبات كثيرة بسحب الثقة عن الحكومة بعد قرار رفع الدعم، حيث ناشد البرلماني ناصر يوسف الناصر بحجب الثقة، مؤكداً أن قرار رفع الدعم قرار ظالم وغير مدروس ويجب إلغاؤه فوراً.

تحرك عاجل لم يأت بجديد

وبعد الجدل، أعلن وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك، عمرو سالم، أن ما حصل هو "أخطاء تقنية وليس قرارا"، مضيفا في تصريحات إذاعية الثلاثاء، أن "وزارة الاتصالات خصصت موقعا لتلقي طلبات الاعتراض من قبل المواطنين الذين أُزيل عنهم الدعم بشكل خاطئ".

في حين عقدت حكومة النظام السوري الأربعاء اجتماعا وصفته بـ"العاجل"، لبحث الاعتراضات التي تلقتها دون أي تغيير.

إلى ذلك، بررت بعض الأصوات الإعلامية القرار بأنه نتيجة "عجز الحكومة على تمويل المواد المدعومة، لانعكاس غليان الأسواق العالمية على الكميات المتاحة من المواد الغذائية".

يذكر أن الأمم المتحدة كانت أعلنت عن أن 90% من الناس في سوريا يعيشون في فقر، و60% منهم يعانون من انعدام الأمن الغذائي، إضافة إلى 7.78 مليون لا يملكون أطباء أو مرافق طبية مستوفية للمعايير الدنيا المقبولة عالمياً.

وتعاني البلاد منذ سنوات من عدة أزمات شملت الوقود والطاقة والخبز إضافة إلى انهيار الليرة ما عاد بآثار كارثية على كل مفاصل الحياة فيها وجعل منها حياة متاحة بشق الأنفس.