تضع مملكة البحرين الرعاية الصحية ضمن الأولويات الدائمة التي يتم تسخير كافة الموارد لها لضمان جودتها واستدامتها في مختلف الظروف، حيث يعتبر القطاع الصحي أحد أبرز القطاعات الرئيسية التي تعزز تحقيق أهداف المسيرة التنموية الشاملة بقيادة حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، والمتابعة المستمرة من صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله، وتدعم أهداف التنمية المستدامة بتأمين بنية تحتية صحية متينة تترجم التطلعات المنشودة.

ويأتي مستشفى الإرسالية الأمريكية المعروف سابقاً باسم مستشفى (ميسون التذكاري)، شاهداً على مسيرة التطوير والتنمية في القطاع الصحي التي تشهدها مملكة البحرين، حيث بدأت قصته عندما زار المبشر ساميويل زويمر مملكة البحرين لأول مرة عام 1892، كأول ممثل للبعثة العربية الإصلاحية للكنيسة الأمريكية، وقام خلال زيارته بإدخال بعض الأدوية للمملكة، وساهم عبر ذلك في شفاء العديد من المرضى في المملكة آنذاك.



وقد لاحظ ساميويل أهمية دعم المملكة بالمزيد من العيادات الطبية، الأمر الذي دفعه للعودة إلى أرض البحرين بهدف مساعدة الناس، وتقديم الخدمات الطبية من خلال غرفة صغيرة استأجرها في سوق المنامة، ليدير عبرها عيادة طبية صغيرة وذلك في عام 1893، ومن هذه البداية البسيطة تتابعت تطورات مستشفى الإرسالية الأمريكية، حيث تم في نهاية العام 1902 بناء أول مستشفى (ميسون التذكاري) بمبلغ 6 آلاف دولار أمريكي تبرعت به إحدى العائلات في ولاية نيويورك لبعثة الإرسالية الأمريكية في البحرين، ليصبح من أول المستشفيات للإرسالية الأمريكية في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، ولم ينقض العام إلا وبدأ المستشفى باستقبال أعدادٍ كبيرة من المرضى، الأمر الذي دفع المؤسسين لتشييد مبنى ثانٍ عام 1926، أضيف إليه في العام 1946.

وبعد الحرب العالمية الثانية عززت حكومة مملكة البحرين دورها في تقديم خدمات الرعاية الصحية، واستمرت مستشفيات الإرسالية بعمليات تحديث وتوسعة مبانيها، حيث قامت بهدم مستشفى (ميسون التذكاري) القديم واستبدلته بمبانٍ جديدة عام 1962، وأعيد تسمية المجمع الطبي بأكمله ليصبح (مستشفى الإرسالية الأمريكية)، الذي اتخذ من شجرة الحياة شعاراً له، حيث ترمز الشجرة إلى الخضرة وسط المناظر الصحراوية الطبيعية، والتي تثير اهتمام ودهشة الزائرين بسبب صلابتها وقوتها.

وانطلق مستشفى الإرسالية الأمريكية منذ بدايته الصغيرة قبل 120 عاماً، ليصبح اليوم أحد أكبر مراكز الرعاية الطبية غير الحكومية في مملكة البحرين، إذ تعددت فروعه في المملكة لتشمل العديد من المناطق مثل المنامة وسار وأمواج والرفاع.

وفي السادس والعشرين من شهر يناير من العام الجاري، ونيابةً عن حضرة صاحب الجلالة ملك البلاد المعظم حفظه الله ورعاه، تفضل صاحب السمو الملكي ولي العهد رئيس مجلس الوزراء حفظه الله، بافتتاح مستشفى الملك حمد – الإرسالية الأمريكية بمنطقة عالي، ليصنف ضمن أحدث مستشفيات الرعاية الصحية في مملكة البحرين ودول الخليج، حيث يقدم مختلف مستويات خدمات الرعاية الصحية الأولية والثانوية، إذ تم تصميمه بهدف توفير بيئة علاجية متكاملة تتضمن التكنولوجيا الحديثة، بما يسهم في تحقيق أهداف القطاع الصحي في مملكة البحرين، كما تم تجهيزه بأحدث مختبرات التدريب السريري وغرف للمحاكاة، وتم تخصيص العديد من المرافق الأخرى كالمكتبة وقاعة المحاضرات التي تضم 270 مقعداً، ليصبح مستشفى تعليمي كذلك.

ويحتوي المجمع الطبي المتكامل على 14 ألف متر مربع من المساحات الخضراء، ويتكون من 5 طوابق تضم 28 غرفة سوبر ديلوكس و64 غرفة ديلوكس، ويشمل 125 سريرًا للمرضى، و18 سريراً مخصصاً للأطفال، و6 أجنحة ملكية فاخرة بالإضافة إلى 4 أجنحة رئيسية بينها جناح مخصص للنساء والأطفال، وجناح آخر مخصص للتخصصات الطبية الجراحية المختلفة، وقد تم تزويد غرف العمليات، ووحدات العناية المركزة، ووحدة غسيل الكلى المكونة من 20 سريرًا، والمختبر، ومركز الأشعة بأحدث التقنيات والأجهزة الطبية، كما تم تزويد المستشفى بـ75 سريراً للعيادات الخارجية وعيادات الطوارئ، إلى جانب تخصيص 512 موقفاً للسيارات في الطابق الأرضي والسفلي من المبنى لخدمة المرضى.

ويعتبر مستشفى الملك حمد - الإرسالية الأمريكية أحد أبرز المشاريع الكبرى الجديدة بالقطاع الصحي، التي تأتي امتداداً للعلاقات التاريخية بين مملكة البحرين والولايات المتحدة الأمريكية الصديقة، وتعكس أوجه التعاون الاستراتيجي والشراكة الراسخة بين البلدين والشعبين الصديقين، كما تؤكد عزم مملكة البحرين على المواصلة في الاستثمار بالخدمات الصحية، باعتبارها أولوية دائمة توجه لها الموارد اللازمة لضمان جودتها واستدامتها بما يسهم في تعزيز الصحة العامة لكافة أفراد المجتمع.