حوار سماح علام:

أكدت الخبيرة الصحية في منظمة الصحة العالمية د.أمل الجودر حاجة البحرين إلى سياسات صحية ديناميكية متطورة تهدف لخلق بيئة صديقة للصحة، مطالبة بتسهيل اتخاذ القرار الصحي على الجمهور من خلال سن تشريعات تكفل ذلك.

وبينت أن 7 من كل 10 يعانون من خطر السمنة عالمياً، وهذا مؤشر خطير يجب أن يقابل بخطة عمل واضحة وسياسات تضمن الحد من انتشار السمنة وتبعاتها الصحية.

وأشارت د. الجودر إلى وجود تجارب دول متقدمة يمكن الاقتداء بها منها تلوين المنتجات الصحية في الأسواق، وإعادة ترتيب الأطعمة بحيث يتم تقديم المنتج الصحي على باقي المنتجات، فضلاً عن رفع الضرائب على المنتجات المضرة وتقليلها على المنتجات الصحية، فمثل هذه التدابير تكفل تغيير سلوك الناس.

ولفتت إلى أهمية خلق بيئة صديقة للصحة، وتسهيل إمكانية أخذ القرار الصحي، في ظل الاهتمام بالتفاصيل التغذوية على المنتجات وإبرازها أمام عين المستهلك، مؤكدة أن التدابير الوطنية والسياسات التي تفرضها الدولة هدفها خلق واقع جديد أكثر صحة.

تفاصيل كثيرة ومبادرات نوعية تطرحها د.أمل الجودر، في حوار لـ"الوطن" على خلفية مشاركتها في مؤتمر صحتي الذي عقد في الشارقة أخيراً. وفي ما يلي تفاصيل الحوار:

* حدثينا عن مشاركتك في مؤتمر صحتي الذي أقيم أخيراً في دولة الإمارات العربية المتحدة؟

وردتني دعوة من المجلس الأعلى للأسرة في الشارقة الذي تترأسه سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي قرينة حاكم الشارقة، للمشاركة في مؤتمر صحتي. ولديهم في المجلس إدارة خاصة بالتثقيف الصحي. وتجدر الإشارة إلى أن هذه المشاركة ليست الأولى لي، بل قدمت 3 دورات سابقة تحت مظلة عمل المجلس، وأذكر أنني كنت آخذ إجازة من عملي السابق في وزارة الصحة - قبل تقاعدي - وأذهب للمشاركة معهم. وقد سبق لي المشاركة في هذا المؤتمر السنوي، وفي كل مرة يتخذ شعاراً ما. وشعار هذه السنة اختص بالسمنة. وطلبوا مني ترؤس الجلسة العلمية الافتتاحية التي حضرتها الشيخة شخصياً، وتم طرح أهمية وضع سياسات تمنع السمنة، وتحد من انتشارها.

عقدت جلسات المؤتمر على مدى يومين. وأقيم اجتماع إقليمي يتبع منظمة الصحة العالمية في الشارقة أيضاً، بحضور كل دول الإقليم، وقد مثلت البحرين د.بثينة عجلان رئيسة قسم التغذية بوزارة الصحة.

* ما أهم المحاور المطروحة خصوصاً أن الحديث يتجه نحو الصحة ومكافحة السمنة باعتبارها من أكثر وأكبر المشكلات الصحية انتشاراً في المنطقة؟

عند طرح مشكلة اجتماعية ما لا بد من الحديث عن التدابير التي تمكن من مواجهة هذه المشكلة، فمثلا طرحت أموراً تفصيلية كثيرة مهمة حول السمنة، منها وضع علامات صحية على الأغذية، فمثلاً في أوروبا يطرح أنه بدلاً من وضع العلامات الإرشادية عن الطعام بشكل غير مقروء وصغير جداً يجهد العين القارئة، يجب أن تستبدل بألوان مثل إشارة المرور (الأحمر والأصفر والأخضر)، وهذا مطبق في فرنسا وبريطانيا، وتجربة بريطانيا خصوصاً جاءت بشكل أكثر تفصيلاً، فهي تصنف بالألوان كل تفصيل من تفاصيل المنتج، بينما التجربة الفرنسية تقيم المنتج بشكل عام. وبين التجربتين ثمة رسالة واضحة مفادها الاهتمام بنوعية المنتج قدر الإمكان قبل شرائه.

إذا نحتاج إلى الاهتمام بالتفاصيل التغذوية على المنتجات، وتقديمها بشكل واضح للجمهور، فإلى جانب تلوين المنتجات حسب الجودة، علينا أيضاً الاهتمام بمكان تقديمها في الأسواق، فمثلاً يمكن ضبط عملية تقديم المواد الأكثر صحة ووضعها أمام مرمى العين، إضافة إلى وضع الأطعمة قليلة الدسم في مستوى نظر الناس، ووضع المنتجات كاملة الدسم في الرف السفلي مثلاً.

أيضاً طرح موضوع زيادة الضرائب على المواد المضرة بالصحة، وفي المقابل تقليل الضرائب أو رفعها عن المواد الغذائية الصحية، وهذا أمر مهم يلامس الحياة اليومية. طرح أيضاً موضوع الغذاء في المدارس، إذ علينا توفير الأطعمة الصحية في المقصف، وتوفير الأغذية ذات الفائدة الصحية.

إلى ذلك طرحت أهمية نشر ثقافة الرياضة والمشي، من خلال نشر المماشي العامة وتوفير أماكن ألعاب مناسبة للأطفال لاستقطاب الأسرة بأكملها، فضلاً عن انتشار النوادي الرياضية في كل الأحياء، وبالتالي تغيير تفاصيل حياة الناس وسلوكياتهم.. إذا نريد خلق بيئة صديقة للصحة، وتسهيل إمكانية اتخاذ القرار الصحي على الناس.

* وأين هو موقع البحرين على هذه الخارطة الصحية المتقدمة؟

عند الحديث عن البحرين لا بد من ذكر المشاريع الكبيرة التي أنجزت تحت مظلة وتعاون اليونيدو، حيث تقوم الجهات المختلفة ذات الصلة بالصحة بخلق أجواء جديدة أكثر صحة في المملكة، ليصبح الخيار الصحي متوفراً أمام الناس، فإذا حققنا صحة أفضل فسنصل للتقليل المطلوب من المرضى، وبالتالي التقليل من العلاجات المقدمة. إذاً نحن نتحدث عن خطة للحد من انتشار الأمراض المزمنة، والبحرين قطعت شوطاً كبيراً في ظل إستراتيجيتها الصحية ولا يزال أمامها الكثير أيضاً.

ليس لدينا احصاءات جديدة عن المؤشرات الصحية في البحرين، إذ لا نزال نعتمد على مؤشرات 2007، وهذا ما يجعلنا في انتظار نتائج المسح الأخير الذي من المقرر نشر مؤشراته الجديدة العام المقبل، إذ سيقدم بيانات دقيقة عن التغييرات التي طرأت في المجتمع خلال هذه الفترة. نريد قياس الأوزان والكوليسترول والسكر وغيرها، ومعرفة هذه المؤشرات، فإذا زادت فسنكون أمام تحد صعب، وإذا بقيت كما هي فهذا يعني أننا لم نغير شيئاً، ولم نحرك ساكناً، أما إذا قلت المؤشرات فهذا يعني أننا نسير في الاتجاه الصحيح وحققنا الفارق الذي نريده في المجتمع.

* تطرحين تفاصيل تتعلق بأسلوب حياة وتفاصيل يومية عند الناس، فكيف يمكن ضمان تغيير السلوك وهو من أصعب أنواع التغيير الاجتماعي؟

بالضبط، الحديث هنا عن أسلوب الحياة، وهذا يعني سلوكيات يومية، أي أننا نتحدث عن تغيير تفاصيل يوميات الناس، أي إن القيام بالتوعية الصحية دون توفير سبل العيش بطريقة صحية واتخاذ قرارات فعلية تحفز الناس على السلوك الايجابي لن يحقق نتائج فعلية وملموسة، فمثلاً لا يمكن الحديث عن الطعام الصحي دون أن يكون سعر الطعام الصحي في متناول الجميع، ولا يمكن الحديث عن أهمية المشي دون توفير أماكن مناسبة لممارسة الرياضة.

لدينا حقيقة نعيشها وهي أن كل 10 أشخاص بينهم 7 يعانون من زيادة وزن. وهذا مؤشر خطير وله نتائج خطيرة، إذا نحن أمام تحديات مهمة تلامس حياة الناس وطريقة عيشهم، ولها تبعات على الأمراض المستقبلية ونسبة الإصابة بها.

إذاً نتحدث عن أسلوب حياة وليس عن تطعيمات تعطى أو أمور عملية يمكن عملها، نحن نتحدث عن سلوك يعتمد على الطعام كجزء من ثقافة الناس وجزء من حياتهم، فنحن شعب يأكل في كل الأوقات ويقدم الطعام كل حين، في الفرح والحزن، لا فارق، فكل اللقاءات أصبحت تعتمد على الأكل، وأيضا نتحدث عن الأطفال الذين اختلف برنامج يومهم، فمثلاً سابقاً كانوا يلعبون ويركضون ويخرجون خارج المنزل، أما الآن فأصبحوا في الغرف يشاهدون الأجهزة، وكل ذلك له تأثير على الصحة والجسم والعقل.

أيضاً نعاني من ازدياد تناول الأطعمة الجاهزة والأكلات السريعة، نتيجة لرخص سعرها مع الأسف. فكم نحتاج إلى إعلانات نظيفة وهادفة! الترويج يجب أن يتم وفق إدارة الدولة الصحية، لا حسب أهواء التاجر. كل هذه التفاصيل وغيرها شكلت مشهداً يتطلب المراجعة والتأمل، فعلينا مراجعة مضمون الإعلانات، وهناك دول وضعت قوانين ومارست الرقابة عليها، وهذا هو الدور التشريعي الحقيقي الذي نريده.

نحن مجتمع قد تأتينا شائعة تذبحنا، فكيف لنا أن ننشر ثقافة جديدة؟! نريد تعويد الجيل الجديد على القراءة الإعلامية، والتفكير النقدي، وعدم التسليم بالأشياء، نريد أن نعزز هذا النمط من الفكر، وهذا الأسلوب في التمعن بالأشياء ونقدها. هذا الأسلوب يعتمد على اتخاذ نمط تفكير مختلف، لا يستقبل المعلومة بل يفندها، فنحن أحوج ما نكون لتربية جيل مدرب على مبادئ التفكير النقدي، فما ينشر ليس حقائق مسلمة، بل نريد تعزيز تقدير الذات، إضافة إلى تعزيز السلوك الإيجابي لدى المراهقين والأطفال بالطريقة التي تصلهم وتشد انتباههم.

* كيف يمكن لتطور التشريعات أن تحقق هذه الأهداف وتضمن إيجاد الفارق وتحقيق جودة الحياة؟

التشريع أساسي جداً، لكن لدينا شركاء في هذا الأمر، فالسلطة التشريعية والتنفيذية لهم دور، والأفراد والمجتمع والإعلام والجمعيات الأهلية وغيرها، إذاً الجميع يتشارك في تحقيق هذا النهوض الذي نريده. لكن طبعاً الأساس هو تطور التشريع بشكل يحقق هذه الأهداف، لدينا مبادرة الصحة والعافية في البحرين بالشراكة مع اليونيدو التي تهدف إلى إيجاد حلول ابتكارية لمشكلات وطنية، وإيجاد فرص عمل جديدة، وخلق استثمارات جديدة، وعملهم ممتد بين 52 دولة، وكل مبادرات اليونيدو مميزة ومثمرة ونوعية، وهي تهتم في مجملها بفكرة ريادة الأعمال في المجالات المختلفة مثل الصحة والاي تي والزراعة وغيرها.

أيضا لا بد من الحديث عن التوجه نحو نشر الزراعة وأهميتها، إذ نحتاج إلى مشاريع مبتكرة، مثل فتح النوادي الرياضية وإنشاء مطاعم تعتمد على الطبخ الصحي، ومشاريع تهتم بالبيئة، وكلها تضمن تحقيق تغيير وتنمية في المجتمع، وكلها تهتم بتحسين جودة الحياة.

في 2016 مرّ 50 سنة على اليونيدو في العالم، وفي البحرين مرت 20 سنة، وكان هناك احتفال كبير في فيينا، حضره وفد بحريني متميز، الشاهد من هذا الكلام أن الاهتمام بمثل هذه المشاريع يعزز قيمة الأعمال وفلسفتها التنموية كجزء من هذا العالم، ولا بد من التأكيد على دور القطاع الخاص في العملية التنموية، وهو ما يحقق الأهداف التنموية المستدامة وأيضاً رؤية ولي العهد في أخذ القطاع الخاص لموقعه التنموي.

* بين جودة الحياة وتحقيق رفاهية الناس، كيف نصل إلى تحقيق الاتزان بين كفتي المعادلة؟

إذا صارت لدينا مشاريع مستقبلية تستثمر في حقل البترول الكبير المكتشف، فإن هذا الاكتشاف الجديد سيلقي بظلاله على حياتنا كلها، خاصة إذا اتخذ القرار السياسي مع الالتزام ببنود تضمن تحقيق هذا الهدف، فجودة الحياة ليست ترفاً بل حاجة أممية، إذاً نحن لا نتحدث عن كلام وحبر على ورق، بل نتحدث عن ممارسات حياتية، يراد لها الاستدامة، وأن يكون هذا الهدف نابع من الإنسان وهدف تقصده السياسات أيضاً.

أذكر مثالاً على مبادرة ناجعة، إذ طرحنا في عام 2010 مبادرة المشي في المجمعات، وحتى يومنا هذا هناك من يمارسون رياضة المشي في المجمعات 3 أيام في الأسبوع، ناس وأجيال جديدة ظهرت، ولدينا حراك، أيضاً لدينا النوادي منتشرة، ومع الوقت ستنتشر أكثر. نريد مثلاً استثمار الصالات الرياضية في المدارس وأن تتحول إلى صالات منتجة، تؤجر للشباب ويتم فيها تمارين رياضية وأنشطة تحرك أهل المنطقة وتستثمر فيهم وفي صحتهم.

* المبادرات وجه آخر للابتكار، فإلى أي مدى نحن بحاجة إلى ابتكارات صحية في مجتمعنا؟

نحتاج إلى ابتكار أفكار حقيقية، فالإبداع يدرس ويدرب عليه، وكل إنسان اذا توفرت له البيئة للابتكار فسيبتكر أمراً جديداً، نريد فقط تقوية طرق التفكير خارج الصندوق، ونحن قادرون على الدفع في هذا الاتجاه.

أيضاً نريد توضيح أن أي مشروع عمل يجب ألا يكون مقتصراً على البحرين فقط، فالعمل اليوم يتخطى الحدود ونحن أمام سوق عالمية تسع الجميع وتتيح المنافسة على أكبر نطاق، فقط لنفكر بشكل أكبر وأكثر فاعلية.

أستشهد بتجربة مضيئة، ففي فنلدا بدؤوا منذ السبعينات في خطة واضحة، وكانت البداية من مجتمع محلي، ثم جلبوا كل قطاعات المجتمع، ووضعوا أنظمة وخلقوا سياسات وعملوا برامج، وطلبوا من المحلات التجارية ألا تكون الحلويات والشوكولاتة على مستوى النظر، بل أن تكون بعيداً عن النظر، أيضا طلبوا تقديم المنتجات قليلة الدسم بدل كاملة الدسم، أيضا عززوا الاهتمام بمنتوجات التوت، لأنه منتج محلي متوفر، وكانت كل هذه الجهود طريقاً لتحقيق النسبة الأقل في أمراض القلب على مستوى العالم. من مثل هذه التجارب نستفيد وعليها نقيس ونعمل.