وليد صبري




* التنمر ضد مصابي "كورونا" يعيق جهود مكافحة الفيروس


أكد المدير التنفيذي لـ"مركز سلوان للطب النفسي"، واستشاري الطب النفسي، د. عبداللطيف الحمادة أن "الأشخاص الذين يتعرضون للتنمر، يعانون من اضطرابات النوم والأكل، واضطرابات القلق، واضطرابات الكرب، واضطرابات التكيف، واضطراب الاكتئاب، والتي تنطوي على العديد من الأعراض الجسدية"، محذراً من أن "التنمر الموجه إلى ضحايا جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد19)، له تداعيات سلبية كبيرة على جهود الدول في مكافحة هذه الجائحة الخطِرة، حيث يكرس صورة سلبية عن المصابين الذين تحول مرضهم إلى وصمة عار يجب أن يخفوها بدلاً من ذهابهم إلى المستشفيات فوراً لتلقي العلاج والحيلولة دون تفشي الفيروس"، منوهاً إلى أن "هذا السلوك يعيق جهود مكافحة الفيروس".

وأضاف د. الحمادة في تصريحات لـ"الوطن": "تتجلى ظاهرة التنمر بين كافة شرائح المجتمع ومختلف الفئات العمرية في سلوكات عدوانية مختلفة ومتكررة كالنزاعات والقطيعة والعزلة الاجتماعية والانتقاد والسب والشتم والضرب والتهديد والتحقير والاستهزاء والابتزاز وغيرها من كافة أشكال الإضرار المادية والمعنوية، والتي قد تحصل وجهاً لوجه أو من خلال أشخاص، أو عبر الهاتف أو وسائل التواصل الاجتماعي أو البريد الإلكتروني أو الرسائل النصية".

وأوضح أن "الاضطرابات النفسية والسلوكية تعد من أهم العوامل المسببة لكل أشكال التنمر الذي قد يطال المدارس أو الجامعات أو العمل أو داخل الأسرة الواحدة أو يكون بين الأشخاص في الأماكن العامة أو بين سائقي المركبات إضافة إلى أشكال أخرى من التنمر".

ولفت إلى أن "الذي يعنينا هنا هو التنمر في زمن الجائحات مثل جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد19)، المنتشر الآن عالمياً، حيث تشهد بعض الدول حدوث حالات تنمر ضد ضحايا هذه الجائحة يقوم بها أشخاص أو مجاميع، ممن لا يمتلكون القدر الأدنى من الشعور بالآخر، وهذا السلوك غير السوي يفت في عضد التآزر المجتمعي، الذي أصبحت الحاجة إليه ملحة جداً لمواجهة هذه الجائحة التي عزلت العالم بعضه عن بعض".

وبين د. الحمادة أن "هذا النوع من التنمر يتفشى بعدة صور فقد يكون مكرساً على المصابين أو ذويهم أو الكادر الطبي والتمريضي أو أي من الجهات الأخرى المتصدية للوباء أو منصباً على عرق معين أو شريحة مجتمعية محددة أو دولة معينة. وهذا ما رأيناه من خلال وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة التي تنقل من حين إلى آخر حالات تنمر يقوم بها أشخاص أو مجموعات، وتتعدد صور هذا التنمر وأشكاله، ولكنها تتمحور حول السخرية من هؤلاء الضحايا والإساءة لهم، واعتبارهم مجرمين لا ضحايا، ولا يدرك هؤلاء الأشخاص أنهم غير محصنين من الإصابة بهذا الفيروس، الذي أصاب رؤساء حكومات ورجال أعمال وشخصيات مشهورة في مجال الصحافة والفن والرياضة وغيرها، وبعضهم فقد حياته بعد أيام من إصابته بهذا الفيروس الفتاك".

وقال: "إنه مع بداية جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد19)، كان التنمر مسلطاً على بعض الأشخاص الصينيين المقيمين في عدد من الدول، حيث حدثت وقائع عديدة للسخرية منهم، الأمر الذي دعا الجهات المسؤولة في هذه الدول إلى التحذير من هذه السلوكات غير السوية، والتشديد على إمكانية اعتبارها جرائم كراهية، حيث تحظر القوانين المعمول بها في أغلب الدول تلك السلوكات التي تتعارض مع منظومة القيم والتقاليد والأعراف السائدة في المجتمعات المختلفة ويرفضها الأسوياء.

وتطرق المدير التنفيذي لـ"مركز سلوان للطب النفسي" إلى أمثلة التنمر التي قد يتعرض لها الأشخاص أو المجاميع أو حتى الدول، موضحاً أنها "تشمل توجيه الانتقادات غير المبررة و المستمرة، والإهانة والتهديد والشتم وتقليل القدر، وإشاعة النميمة والشائعات حول شخص معين أو دولة معينة "الصين مثالاً"، والإهمال والتجاهل المتعمد "العاملون الصينيون في الدول المختلفة مثالاً"، والتحريض على طرد أو نقل موظف إلى قسم مختلف في المؤسسة أو خارجها "العاملون الصينيون في الدول المختلفة مثالاً"، ويعد تهور واستهتار البعض في الإجراءات الوقائية وعدم الحفاظ على أرواحهم وأرواح الآخرين وإلحاق الضرر بالآخرين عن قصد أو غير قصد شكلاً خطِراً من أشكال التنمر في زمن الجائحات".

ونوه د. الحمادة إلى أن "التنمر الموجه إلى ضحايا جائحة كورونا من الأفراد أو المجتمعات أو الدول إضافة إلى كونه سلوكاً غير سوي فإنه مؤشر خطِر لظواهر شاذة أصابت المجتمعات البشرية في الآونة الأخيرة، وخاصة في ظل تعدد مظاهر التنمر في هذه المجتمعات، ليشمل العديد من الصور والأشكال، ومنها التنمر ضد طبقات أو فئات اجتماعية محددة أو ضد المرأة أو ضد من لديهم عاهات جسدية أو ممن يعانون من اضطرابات نفسية، فضلاً عن أن التنمر بدأ يعرف طريقه إلى كثير من المؤسسات التعليمية من مدارس وجامعات، وهذا أمر جد خطِر، ما يستوجب التصدي له بكل حزم".

وأشار إلى أن "التنمر الموجه إلى ضحايا جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد19)، له تداعيات سلبية كبيرة على جهود الدول في مكافحة هذه الجائحة الخطِرة، حيث يكرس هذا التنمر صورة سلبية عن المصابين الذين تحول مرضهم إلى وصمة عار يجب أن يخفوها بدلاً من ذهابهم إلى المستشفيات فوراً لتلقي العلاج والحيلولة دون تفشي هذا الفيروس الذي يتصف بمعدلات انتشار عالية. وفي ذات الوقت يضعضع هذا التنمر التعاضد المجتمعي في مواجهة هذه الجائحة التي تحتاج إلى حشد كل الجهود الممكنة لمواجهتها والتغلب عليها حتى يتعافى العالم من آثارها المدمرة على كافة الأصعدة".

وفي رد على سؤال حول ما يعانيه الأشخاص الذين يتعرضون للتنمر، أفاد د. الحمادة بأن "هؤلاء الأشخاص يعانون من اضطرابات النوم والأكل، واضطرابات القلق، واضطرابات الكرب، واضطرابات التكيف، واضطراب الاكتئاب، التي تنطوي على العديد من الأعراض الجسدية".

وذكر أن "من اهم الطرق الفعّالة للتعامل مع التنمر في زمن الجائحات التوعية والتثقيف حول فيروس كورونا وطرق انتقاله والوقاية منه والإجراءات الواجب اتخاذها لمنع الإصابة به، وهذا من شأنه أن يقلل من ظاهرة التنمر في المجتمع؛ لأن فهم الناس للمرض يساعد على اتخاذهم سلوكات صحيحة تجاه بعضهم البعض، والتركيزعلى التوعية حول حقيقة مفادها أن ظاهرة التنمر خلال جائحة كورونا موجودة فعلاً وتشكل تحدياً كبيراً للجميع ولا بد من الاعتراف والتعريف بها لمعالجتها بشكل جذري، وعدم اعتبار السلوك العدواني "أياً كان شكله أو مصدره"، طبيعياً أو حالة صحية أو حافزاً للجهات المختصة والمجتمعات للوصول إلى علاج ناجع للمرض من خلال الضغط على الأفراد والمؤسسات لاتخاذ الإجراءات اللازمة، ووضع المعايير المناسبة للتعامل السليم مع المتنمر والمتنمر عليه، وتثبيت حالات التنمر رسمياً حال وقوعها، بما يكفل حقوق الأفراد والمجتمعات".

وقال د. الحمادة: "إنه من بين تلك المعايير إحالة المتنمر والمتنمر عليه من خلال المحاكم المختصة للتقييم النفسي الشامل لتشخيص حالة المتنمر وعلاجه إذا كان يعاني من اضطرابات نفسية وتحديد مسؤوليته القانونية تجاه أقواله وأفعاله التنمرية، وكذلك تقديم الدعم والتأهيل النفسي للمتنمر عليه لعلاج الآثار النفسية لديه المترتبة على التنمر، ولا يجوز إطلاقاً "فض الخلاف بين الطرفين ودياً"، لما لهذا الأسلوب من تبعات نفسية وخيمة تلقي بظلالها على طرفي النزاع مستقبلاً".