أيمن شكل

أكد خبراء قانون ومحامون، أن تصريحات صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس الوزراء بشأن تطوير النظام القانوني وتعزيز العدالة والحريات الفردية والمنظومة المتكاملة لحقوق الإنسان، تمثل مرحلة جديدة للعدالة بدأت بإصدار حزمة من التشريعات مؤخراً، تصب في هذا السياق، ويستمر العمل عليها لتكون البحرين مثالاً يحتذى به في المنطقة في تطوير المنظومة العدلية.

وكان سموه أعلن خلال لقائه رؤساء تحرير الصحف المحلية عن مبادرة "السجون المفتوحة"، والتوسع في برنامج العقوبات البديلة، كما نوه سموه بضرورة تجاوز أسلوب الاعتماد على الاعتراف أمام المحاكم والاعتماد على الأدلة المادية القاطعة للاستمرار في ترسيخ العدالة، ومواصلة تطوير النظام القانوني وتعزيز العدالة والحريات الفردية والمنظومة المتكاملة لحقوق الإنسان، البعيد عن التسييس من خلال صون الحقوق وحماية الأفراد.



وأوضحوا أن تصريحات سمو ولي العهد رئيس الوزراء تدعو لمزيد من التطوير والتحسين في مجالات حقوق الإنسان لكون هذا المجال هو رافد رئيس لأية ديمقراطية تنشد البناء والتطوير ورفاهية الناس وتحقيق التنمية المستدامة.

وأكدوا أن تطوراً جديداً لحقوق الإنسان في البحرين يحدث من خلال مواكبة التشريعات الوطنية لتشريعات الدول المتقدمة في مجال العقوبات البديلة وحقوق السجناء، وقد بدأت معالم بيان الخطوط العريضة لما يفكر فيه سمو رئيس مجلس الوزراء بتوجيه الحكومة في تطوير منظومة التشريعات الجنائية والعقابية التي ترقى بحقوق الإنسان.

وقالوا إن ملامح التطور الجديد تظهر عندما أولى سموه اهتماماً بضرورة تبني برامج لمراكز الإصلاح والسجون المفتوحة لحماية النسيج الاجتماعي وفق ضوابط قانونية، وكانت هذه اللمحة المتعمقة إنما قُصد بها تحقيق فكرة الدفاع الاجتماعي التي تقوم على تأهيل السجناء واستبدال فكرة العقوبة السالبة للحرية من خلال السجون المغلقة التي لا تحقق للمسجون الغاية الأساسية من العقاب.

ووصفت الأمم المتحدة قانون العدالة الإصلاحية للأطفال بأنه خطوة بالغة الأهمية تظهر التزام البحرين تجاه تعزيز الامتثال للاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، بما يبرر العدالة الإصلاحية، والحفاظ على حياة الأطفال من سوء المعاملة من خلال إنشاء اللجنة القضائية للطفولة ومركز حماية الطفل. في الأثناء شهد القضاء تطوراً في سرعة إنجاز وحسم القضايا حيث توضح أحدث إحصائيات المجلس الأعلى للقضاء انخفاض التراكم السنوي من يناير 2017 إلى 2021، حيث كان أكثر من 40 ألف قضية في 2017، وبلغ 12.5 ألف قضية في 2021.

د. الشملان: تكلفة إدارة منخفضة مقارنة بالمؤسسات العقابية المغلقة

وقالت أستاذة القانون الجنائي المساعد بجامعة البحرين د. نورة الشملان "إن حديث سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، بشأن تطوير وتحديث أنظمة مراكز الإصلاح والتأهيل، وتطبيق سياسة السجون المفتوحة والتوسع بتطبيق العقوبات البديلة، وكذلك أهمية توجه سموه بشأن تجاوز أسلوب الاعتماد على الاعتراف أمام المحكمة والاعتماد بدلاً عن ذلك على الأدلة المادية القاطعة ما هو إلا تأكيد وترسيخ لمبدأ العدالة وصيانة حقوق الأفراد والحفاظ على حقوق الإنسان".

وفيما يتعلق بالسجون المفتوحة، أكدت أن وظيفة السجون في العصر الحديث تطورت بتطور المنظور لأغراض العقوبة فلم تعد العقوبة هي وسيلة لإيلام المحكوم عليه فقط بالتركيز على الردع العام فأصبح من الضرورة مراعاة الردع الخاص بجانب الردع العام والذي يتحقق بتأهيل المحكوم عليه وإعادته إلى المجتمع كعضو فعال وبناء، وعلى ذلك نرى تنوع المؤسسات العقابية بين المغلقة والمفتوحة وشبه المفتوحة.

وأشارت الشملان إلى أن السجون المفتوحة هي مؤسسات عقابية تنتفي عنها مظاهر السجون العادية، حيث لا توجد أسوار سمنتية عالية ولا رقابة مشددة فيتمتع المحكوم عليه بحرية الحركة، يتوافر فيها للمحكوم عليه مجالات للعمل والأنشطة المختلفة، وتقوم فكرة هذه المؤسسات على إقناع المحكوم عليه بوجوب التقيد بالأنظمة وبالواجبات التي تفرض عليه كونها قد تم فرضها عليه لتحقيق مصلحته وللحفاظ على مستقبله.

ولفتت إلى أن هذه المؤسسات تتميز بأن تكلفة إدارتها منخفضة مقارنة بالمؤسسات العقابية المغلقة، ما سيؤدي إلى فعالية البرامج الإصلاحية والتأهيلية بالتركيز علي المحكوم عليهم وتطبيق أسس المدرسة السجنية بصددهم فيتم تصنيف النزلاء بهذه المؤسسات بشكل لا يؤدي إلى تعلمهم الإجرام.

وصنفت الشملان شروط الإيداع في تلك السجون بأنه يتم إيداع المحكوم عليهم بجرائم بسيطة، كالجرائم غير العمدية والجرائم المرورية. وكذلك يمكن أن يتم إيداع بها من تتوافر بشأنهم الظروف القضائية المخففة كالسن، أو أن يكون المحكوم عليه من كبار السن بشرط أن لا يكون ذا خطورة إجرامية كبيرة، وكذلك بالإمكان إيداع بشكل عام من هم ذوي خطورة إجرامية منخفضة وغير معتادي الإجرام. بالإضافة إلى إمكانية إيداع المحكوم عليهم بالإكراه البدني تنفيذاً لأحكام مالية فيها.

وفيما يتعلق بموضوع الاعتراف والتعويل عليه بالإدانة، نوهت الشملان إلى نص المادة 220 الفقرة الثانية من القانون الإجراءات الجنائية. وقالت "إنها تحكم ذلك حيث تبين إن كان المتهم معترفاً بالواقعة المسندة إليه، وجواز اكتفاء المحكمة بهذا الاعتراف والحكم حتى دون سماع شهود ما لم تكن الجريمة التي اعترف عنها المتهم معاقباً عليها بالإعدام وفي هذه الحالة لابد من استكمال التحقيق وسماع الشهود وغيرها من إجراءات". وعليه فإن توجيه سموه هو ترسيخ لمبادئ العدالة بمراعاة حقوق وحريات الأفراد وقدسيتها وكل هذا سينقل مملكتنا الغالية بجميع أجهزتها إلى مرحلة جديدة في مجال حقوق الإنسان.

غازي: الغاية من تطوير القوانين إصلاح المجتمع

ورأى المحامي وعضو مجلس الشورى السابق فريد غازي، أن مفهوم تطوير النظام القانوني للبحرين والمنظومة الحقوقية يكون عبر تطوير التشريعات، لمنح المحكومين ضمانات أكثر في الدفاع، فضلاً عن استفادته مما يمنحه القانون من عقوبات بديلة في هذا الشأن، مشدداً على أن الغاية من تطوير القضاء هو إصلاح المجتمع.

ونوه بصدور القانون رقم 7 لسنة 2020 بشأن تعديل قانون الإجراءات الجنائية وما نص عليه التعديل من تطبيق حماية الشهود، وآليات الصلح والتصالح مع المتهم في المخالفات والجنح، وكذلك القانون رقم 18 لسنة 2017 بشأن العقوبات والتدابير البديلة، مؤكدا أنها من أكثر التشريعات المتطورة في البحرين، وقد استفاد منها أهالي المحكومين أكثر ممن طبقت عليهم العقوبات.

ولفت إلى مبادرة السجون المفتوحة وفق الضوابط القانونية، والذي يعتبر من المبادرات الرائدة في المنطقة والتي طرحت في البحرين، مبيناً أن التطوير في القضاء يأتي دائماً عبر تطوير التشريعات، وتوفير ضمانات الدفاع للمتهمين والمحاكمات العادلة، وقال إن تشريعات عديدة صدرت تعزز من تلك الضمانات.

وأشار غازي إلى أن تشريعات كثيرة في طريقها للخروج، من أبرزها موضوع السجون المفتوحة لتعزيز الإصلاح المجتمعي للمحكومين، ولتعطي فرصة أكثر للمحكومين بالعودة إلى حياتهم الطبيعية وأسرهم وعلى ألا يعود للجريمة مرة أخرى، موضحاً أن هذا التشريع موجود في الدول الإسكندنافية.

ووصف ما صرح به سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء بتجاوز أسلوب الاعتماد على الاعتراف والتعويل عليه والاستعاضة عنه بالدليل المادي، بالأسلوب المتقدم الذي يعتبر غير مسبوق في المنطقة والمثمن من قبل القانونيين.

ولفت إلى أن القانون، نظم عدم التعويل على الاعتراف في قضايا الإعدام، بينما في قضايا أخرى يعتبر الاعتراف سيد الأدلة، وهو ما قد يشوبه بطلان حول الإكراه النفسي أو البدني، وتفادياً لما يعتري الاعتراف بالبطلان يجب التدعيم بالأدلة المادية الأخرى.

وفي شأن تعزيز العدالة والحريات الفردية والمنظومة المتكاملة لحقوق الإنسان، البعيدة عن التسييس أوضح رئيس جمعية الحقوقيين البحرينية د. عبدالجبار الطيب، أن تصريحات سمو ولي العهد رئيس الوزراء تدعو لمزيد من التطوير والتحسين في مجالات حقوق الإنسان لكون هذا المجال هو رافد رئيسي لأية ديمقراطية تنشد البناء والتطوير ورفاهية الناس وتحقيق التنمية المستدامة.

وقال إن "ما يدعم توجهات الدولة هو ما يحظى به القضاء البحريني من استقلالية تامة مالية وإدارية ووظيفية تجسر أي فجوات قد تحصل في منظومة حقوق الإنسان من خلال الأحكام الرصينة التي تراعي مبادئ حقوق الإنسان، كما تقف المحكمة الدستورية شامخة وداعمة لحماية الحقوق والحريات عبر ترسيخ القواعد الدستورية الثابتة التي تبرز توجه هذه المحكمة الدائم ناحية دعم الحقوق والحريات العامة".

وأشار إلى أن البحرين عززت ذلك التوجه منذ بواكير المشروع الإصلاحي لصاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البلاد المفدى ودعمت ورسخت حقوق الإنسان من خلال التشريعات والآليات الوطنية لحقوق الإنسان.

وقال: إن "أبرز حقوق هذه المنظومة المتكاملة لترسيخ وتعزيز الحقوق والحريات الأساسية هي الحقوق الفردية كالحق في الحياة والحق في الخصوصية والحق في التنقل وكذلك الحقوق الجماعية كالحق في الصحة والتعليم، وحقوق التضامن كذلك كالحق في السلام والتنمية والبيئة".

غنيم: السجون المفتوحة تحتاج لتعديل قانون الإصلاح والتأهيل

وأكد المحامي عبدالرحمن غنيم، أن تطوراً جديداً لحقوق الإنسان في البحرين يحدث من خلال مواكبة التشريعات الوطنية لتشريعات الدول المتقدمة في مجال العقوبات البديلة وحقوق السجناء، وقد بدأت معالم بيان الخطوط العريضة لما يفكر فيه سمو رئيس مجلس الوزراء بتوجيه الحكومة في تطوير منظومة التشريعات الجنائية والعقابية التي ترقى بحقوق الإنسان.

وقال: "تظهر ملامح التطور الجديد عندما أولى سموه اهتماماً بضرورة تبني برامج لمراكز الإصلاح والسجون المفتوحة لحماية النسيج الاجتماعي وفق ضوابط قانونية، وكانت هذه اللمحة المتعمقة إنما قُصد بها تحقيق فكرة الدفاع الاجتماعي التي تقوم على تأهيل السجناء واستبدال فكرة العقوبة السالبة للحرية من خلال السجون المغلقة التي لا تحقق للمسجون الغاية الأساسية من العقاب.

وأشار إلى فكرة السجون المفتوحة بوصفها إحدى وسائل تنفيذ العقوبات السالبة للحرية، ولكن من خلال سجن يقضي فيه المحكوم عليهم مدة عقوبتهم في أماكن مؤهلة لإعادة تطويرها وزراعتها وانفتاحها على المجتمع بحيث يبقى اتصال السجين بالمجتمع من خلال هذه الأماكن ولكن تحت الإشراف والأمن والحراسة المحيطة بهم ويقضي السجين فترة عمله اليومية في هذا المكان طوال اليوم ثم يعود إلى مكان السجن المغلق ليقضي فيه الفترة الليلية.

وأكد، أن هذا النوع من السجون معمول به في الدول الأوروبية كبريطانيا وإيرلندا وهولندا وفنلندا ويقصد به أن تكون هذه السجون نوعاً من إعادة التأهيل للسجناء، ولكن كما ذكر سمو رئيس الوزراء أن هذا النوع من السجون يستوجب أن يكون ضمن أُطر وضوابط قانونية.

ولفت غنيم إلى أن هذا التطور يحتاج لإضافة نصوص لقانون مؤسسة الإصلاح والتأهيل رقم 18 لسنة 2014، حيث نص القانون على إعادة تأهيل النزلاء بإعادة اندماج النزيل في المجتمع بما يكفل عدم عودتهم للسلوك الإجرامي عقب الإفراج عنهم.

وقال إن "هذا النص يعد انطلاقة لفكرة سمو ولي العهد رئيس الوزراء بإعمال السجون المفتوحة، ولكن نرى أن هذا النوع من السجون لا يجب أن يكون مطبقاً على كل المحكوم عليهم بعقوبات سالبة للحرية ولكن يجب أن يكون من يتم اختيارهم لتنفيذ العقوبة قد تم بناء على مجموعة من المعايير منها نوع الجريمة المرتكبة وعدم خطورتها ومدة العقوبة المحكوم بها ومدى السلوك الأخلاقي للمحكوم عليه أثناء فترة تنفيذه للعقوبة السالبة للحرية داخل السجون المغلقة والمدة المتبقية من العقوبة وعدم الخطورة من أن يراود هؤلاء الهروب من الأماكن المخصصة لتنفيذ العقوبة".

وأوضح أن هذا النوع من أنواع العقوبات البديلة، إنما يهدف إلى تحقيق الغاية الأساسية من العقوبة الجنائية ليس في الردع فقط وإنما تحقيق الردع والإصلاح والتأهيل في آنٍ واحد وعودة المحكوم عليه إلى مجتمعه إنساناً صالحاً لا يرغب في العودة إلى ارتكاب الجريمة مرة أخرى.

وأكد تضامن جميع العاملين في مجال القانون والمحاماة مع فكرة سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء في هذا الشأن، بتعديل قانون مؤسسة الإصلاح والتأهيل قم 18 لسنة 2014 ليتضمن ضمن أحكامه فكرة السجون المفتوحة وشروط استحقاقها للمحكوم عليهم حتى يتم التوازن بين العقوبات السالبة للحرية والتدابير الاحترازية.

واقعة قضائية لعدم التعويل على الاعتراف

ومن نماذج عدم التعويل على الاعتراف، أشار المحامي بومطيع إلى حكم محكمة الاستئناف الصادر في 24 فبراير بإلغاء حكم الإعدام على عربي الجنسية اعترف بقتل آسيوي، وعلى الرغم من اعترافه، إلا أن المتهم كان يعاني من أمراض نفسية أبرزها اضطراب ثنائي القطب وأعراض الهوس وضلالات العظمة.

ونوه بما قررته محكمة التمييز بأن تمسك المدافع عن الطاعن أمام محكمة الاستئناف بمسؤوليته عن الجريمة لإصابته بالجنون وبعدم صحة اعترافه لصدوره نتيجة تلك العاهة، يعتبر دفاعاً جوهرياً مؤداه انتفاء مسؤوليته إذا ثبتت صحته.

وأشار إلى ما استقرت عليه محكمة التمييز بأن الاعتراف ماهيته على محكمة الموضوع عند أخذها به أن تبحث في مدى صحته وصدوره عن صاحبه عن إرادة حرة واعية، قيام منازعة جدية في قدرة المعترف على ذلك وجوب تحقيقها هذه المنازعة للاستيثاق من قدرته على تحمل اعترافه.

أثر الحالة النفسية للمتهم على اعترافه

وحول أثر الحالة النفسية للمتهم على الاعتراف، أوضح استشاري الطب النفسي د. عبدالكريم مصطفى أن الاعتراف شيء محترم قضائياً، ولكنه قد لايكون كافياً في بعض الأحيان لأن المتهم قد يعترف بغير الحقيقة تحت تأثير القلق والخوف والضغوط النفسية وكذلك بسبب تأثير المواد الكيميائية والأمراض العضوية والنفسية، مما يتسبب بتدهور الأداء المعرفي أو اختلال الوعي والإدراك لأي سبب مثل الاضطراب الوجداني والفصام والقلق الشديد واضطراب الاندفاع وحتى فقدان الرغبة في الحياة التي قد تجعل المتهم أحياناً يفضل أن ينتحر بالاعتراف.

وأضاف د. مصطفى قائلاً: بل إن الأكثر من ذلك أنه قد يعترف الإنسان تحت تأثيرالإغراءات لأي سبب ولهذا فإن الأدلة المادية يجب أن تكون لها اليد العليا قبل الاعتراف كما تفضل به سمو ولي العهد رئيس الوزراء في حديثه الصحفي.

وأكد أن تحسن الظروف الصحية للمعترف قد تجعله يغير من اعترافه في وقت تكون الأدلة المادية المعضدة لنجاته قد فقدت تماماً من القضية أولم تنل الاهتمام بها في الوقت

المناسب فتضيع فرصة إرساء العدالة.

وأكد استشاري الطب النفسي أن كلمات سمو ولي العهد رئيس الوزراء تبعث برسالة مفادها أن العدل يجب أن يسمو فوق أي شيء حتى لو اعترف المتهم على نفسه، ويجب ألا يقتصر الحكم على ما يقال ويسمع فقط ، وقال إن سموه أراد منح الأدلة المادية أولوية من شأنها أن تجعل الحكم الصادر من المحكمة لا يتطرق إليه أدنى شك، وهذا فيه حفاظ على هيبة القضاء وسلامة المنظومة العدلية.

نظرة شرعية لعدم التعويل على الاعتراف

ومن وجهة نظر شرعية حول الاعتماد على الأدلة المادية في مقابل الاعتراف، أوضح أستاذ الفقه المقارن والقضايا المعاصرة بقسم الدراسات الإسلامية بجامعة البحرين د. عبدالستار الهيتي، أن الفقهاء القدامى لم يبحثوا هذا لأن توفر تلك الأدلة المادية في الماضي يكاد يكون منعدماً ولذلك كان التركيز على الاعتراف كدليل قطعي لا شك فيه، لكنه أشار أن النبي صلى الله عليه قد أثبت بعض الحدود بعوامل خارجية وعدل عن الاعتراف في بعض الحالات مما يفيد الأخذ بشواهد الأحوال في التهم، لافتا إلى ما ورد عن أم المؤمنين عائشة رضي االله عنها حين قالت : قـال رسـول االله صلى االله عليه وسلم ( ادرأوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن وجـدتم للمسلم مخرجاً فخلوا سبيله، فإن الإمام لأن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة)

وقال د. الهيتي إن هذا دليل على أن النبي صلى االله عليه وسلم أمـر بـدرء الحدود بالشبهات والقرائن، كما روى عن عمر بن الخطاب رضي االله عنه أنه قال ( وإن الرجم في كتاب االله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبـل أو الاعتراف)، فعن علي رضي االله عنه قال (يا أيها الناس إن الزنا زناءان زنـا سر وزنا علانية، فزنا السر أن يشهد الشهود فيكون الشهود أول من يرمى، ثم الإمام ثم الناس، وزنا العلانية أن يظهر الحبل أو الاعتراف فيكون الإمام أول من يرمى، وهاتان الروايتان تدلان على مشروعية العمل بالقرائن في الحدود.

ونوه الهيتي بما روي عن علقمة بن وائل عـن أبيـه أن امـرأة خرجت على عهد النبي صلى االله عليه وسلم تريد الصلاة فتلقاها رجل فتجللها فقضى حاجته منها فصاحت وانطلق، فمر عليها رجل فقالت إن هذا فعـل بي كذا وكذا ومرت عصابة من المهاجرين فقالت: إن هذا الرجل فعل بي كـذا وكذا، فانطلقوا فأُخذ الرجل الذي ظنت أنه وقع عليها فأتوها به فقالت: نعم هو هذا، فأتوا به النبي صلى االله عليه وسلم، فلما أمر به قام صاحبه الذي وقـع عليها فقال: يا رسول االله أنا صاحبها فقال لها: اذهبي فقد غفر الله لك، فقال للرجل قولاً حسناً يعني الرجل المأخوذ، وقال للرجل الـذي وقـع عليهـا: ارجموه، ثم قال: لقد تاب توبة لو تابها أهل المدينة لقبل منهم.

ولفت إلى قول ابن القيم بعد أن ذكر هذا الحديث حيث قال: هذا من أدل الدلائل علـى اعتبـار القرائن والأخذ بشواهد الأحوال في التهم، وهذا يشبه إقامة الحدود بالرائحـة والقيء، كما اتفق عليه الصحابة وإقامة حد الزنا بالحبل كما نص عليه عمـر وذهب إليه فقهاء أهل المدينة وأحمد في ظاهر مذهبه.

البوعينين: حبس المدين نظرية قديمة قضائياً

ويستمر تطوير البنية القانونية لقطاع العدالة من خلال إقرار مجموعة مهمة من التشريعات ومنها في مجال تسوية حالات الإعسار التجاري من خلال استحداث قانون إعادة التنظيم والإفلاس الذي يكفل إجراءات قانونية سلسة وسريعة محددة بمدد زمنية تتسم بالشفافية والفاعلية، بالإضافة إلى وضع أحكام خاصة للحصول على تسهيلات أثناء إجراءات الإعسار.

وأكد نائب رئيس المجلس الأعلى للقضاء رئيس محكمة التمييز عبدالله البوعينين في تصريحات سابقة أن حبس المدين نظرية تجاوزتها جميع الأنظمة القضائية، وبالتالي يتم التعامل مع فكرة السداد وفق الظروف التي يمر بها، وأوضح أن الأمر مرهون بوجود ضمانات وتوفير الأموال التي يمكن السداد من خلالها.

وكيل العدل: 53 مستفيداً من برنامج "التلاوة الصحيحة" كعقوبة بديلة

وكشف وكيل وزارة العدل القاضي عيسى المناعي عن مشاركة إدارة شؤون القرآن الكريم بالتعاون مع وزارة الداخلية في أحد برامج العقوبات البديلة للمحكومين والذي يحمل عنوان "برنامج التلاوة الصحيحة"، وأكد أن ذلك البرنامج يأتي إسهاماً من شؤون القرآن في تعزيز برامج إصلاح المحكومين وتأهيلهم للعودة إلى المجتمع.

وأوضح الوكيل أنه منذ انطلاق البرنامج استقبل قسم الأنشطة والبرامج القرآنية 53 طلباً بالعقوبات البديلة للمشاركة في البرنامج. كما نوه بمشاركة إدارة الشؤون الدينية في برنامج التأهيل والتدريب للمحكومين بعقوبات بديلة، إذ بلغ عدد المحكومين المحوّلين من قبل شعبة العقوبات البديلة بوزارة الداخلية منذ بدء البرنامج للتثقيف وزيادة الوعي الديني 58 محكوماً.

وأكد أن وزارة الداخلية قامت بجهود كبيرة في سبيل تيسير أمور نزلاء السجون الذين يتابعون قضاياهم في المحاكم، خاصة في ظل تداعيات جائحة كورونا وفرض التدابير الاحترازية لمنع انتشار الفيروس، حيث أعلنت الداخلية عن إجراء معاملات التوثيق للنزلاء عن بُعد بين الإدارة العامة للإصلاح والتأهيل وإدارة التوثيق بوزارة العدل، وبلغ عدد معاملات التوثيق المرئي عن بُعد لمعاملات الموقوفين والسجناء في مركز الإصلاح والتأهيل 427 معاملة، وأغلبها ترتبط بإجراء توكيل رسمي خاص للمثول أمام المحاكم، وأشاد بدور الإدارة العامة للإصلاح والتأهيل بوزارة الداخلية على جهودها لإنجاز متطلبات تحقق هذا المشروع.

إشادات أممية ودولية بقانون العدالة الإصلاحية

ووصفت الأمم المتحدة قانون العدالة الإصلاحية للأطفال بأنه خطوة بالغة الأهمية تظهر التزام مملكة البحرين تجاه تعزيز الامتثال للاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان، بما يبرر العدالة الإصلاحية، والحفاظ على حياة الأطفال من سوء المعاملة من خلال إنشاء اللجنة القضائية للطفولة ومركز حماية الطفل.

وأكدت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان "OHCHR"، أن القانون يدعم مصلحة الطفل وفقاً لتوصيات القانون الدولي لحقوق الإنسان، والأحكام التي تضمنها القانون الدولي لحقوق الإنسان، ويتضمن أحكاماً تتعلق بالفائدة على الأطفال خاصة أن التدابير والعقوبات الواردة في قانون العدالة الإصلاحية هي وحدها التي يمكن تطبيقها أمام المحاكم العسكرية عندما يتم استحضار القضاء العسكري.

وفي تصريح لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة لمنطقة الخليج "UNODC"، أكد د. حاتم علي أن المكتب يقف على أهبة الاستعداد لمواصلة العمل مع الحكومة في بناء القدرات لأجهزة إنفاذ القانون والعدالة الجنائية.

وأكدت اليونيسف "UNICEF" أن التركيز على العدالة الإصلاحية ومصالح الأطفال الفضلی في جميع الأوقات يدل على نية مملكة البحرين لإجراء إصلاحات تدريجية في مجال العدالة.

النائب العام: إنشاء مكتب حماية المجني عليه والشهود

وتماشياً مع المبادئ والمعايير الدولية في شأن مراعاة الضمانات وحماية حقوق الإنسان من أجل توفير الظروف الآمنة للإدلاء بالشهادة والمعلومات في الدعوى سواء في مرحلة التحقيق أو المحاكمة، وكذلك استكمالاً لدور النيابة العامة في رفع الآثار الناشئة عن الجريمة، ومشاركة الجهات المعنية بحقوق الإنسان في مساعدة المتضررين من الجريمة مادياً ونفسياً وفقاً لما يتيحه القانون، أصدر النائب العام د. علي البوعينين قراراً بإنشاء مكتب حماية المجني عليهم والشهود، في إطار تطبيق قانون الإجراءات الجنائية فيما تضمنه من إجراءات وتدابير الحماية من المخاطر التي قد تحيق بالمجني عليهم أو الشهود أو من يدلي بمعلومات في الدعوى.

ويختص المكتب ببحث وتنفيذ الأوامر الصادرة بفرض الحماية بالوسائل المقررة بالقانون سواء بناء على ما يقدم من طلبات مبررة واقعياً، أو مما يتبين للمحقق من ظروف تدعو إلى فرضها، فضلاً عن تنفيذ قرارات المحكمة التي تفرض حماية المجني عليهم والشهود أو الأشخاص وثيقي الصلة بهم.

آثار اقتصادية مرتبطة بتطوير القوانين

ومؤخراً حققت البحرين قفزة نوعية بمعدل 23 مرتبة عالمياً في مؤشر الحرية الاقتصادية لعام 2021 الصادر عن "مؤسسة هيريتج" الأمريكية لتحل في المرتبة 40 عالمياً من أصل 178 دولة تم تصنيفها، مما يجعلها في مصاف الدول المتقدمة التي شهدت تحسناً كبيراً من حيث معدلات الحرية الاقتصادية. وقد شهدت النتيجة الكلية لمملكة البحرين تحسناً بواقع 3.6 نقطة لتصبح 69.9 من مائة، مما يجعلها تتفوّق على معدل الحرية الاقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والمعدل العالمي.

وأكد التقرير أن مملكة البحرين تعد من ضمن الدول الأكثر تحسناً في الحرية الاقتصادية على مستوى دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مما يضعها في المرتبة الرابعة ضمن المنطقة.

كما استطاعت البحرين تحقيق مؤشرات إيجابية ومميزة في تقرير مجموعة البنك الدولي لتصبح ضمن العشر دول الأكثر تحسناً في مؤشر سهولة ممارسة أنشطة الأعمال من أصل 190 دولة، وتبوؤها المركز الثاني عربياً في هذا المؤشر الدولي، حيث احتلت المرتبة 43 عالمياً في مؤشر سهولة ممارسة الأعمال لتقفز 19 مرتبة مقارنة بترتيبها العام الماضي، واعتمد البنك الدولي في تصنيفه على عدد من الإجراءات التي قامت بها البحرين مما ساهم في خلق بيئة استثمارية محفزة لممارسة الأعمال، ولم يكن ليتحقق ذلك إلا عبر تطوير المنظومة القانونية واستدامة هذا التطوير بشكل مستمر.

وشهد القضاء تطوراً في سرعة إنجاز وحسم القضايا حيث توضح أحدث إحصائيات المجلس الأعلى للقضاء انخفاض التراكم السنوي من يناير 2017 إلى 2021، حيث كان أكثر من 40 ألف قضية في 2017، وبلغ 12.5 ألف قضية في 2021.

وطبقت النيابة العامة العقوبات البديلة خلال العام الماضي، حيث تنوعت ما بين العمل في خدمة المجتمع وحضور برامج التأهيل والتدريب والتعهد بعدم التعرض والإقامة الجبرية في مكان محدد والخضوع للمراقبة الإلكترونية، وحظر ارتياد مكان أو أماكن محددة، وإصلاح الضرر الناشئ عن الجريمة، بمجموع 1747 عقوبة بديلة.

وبلغ عدد المحكومين بعقوبة بديلة حسب الجنس والفئة العمرية 1125 محكوماً كان منهم 944 رجلاً و 49 امرأة و 132 طفلاً تجاوز الخامسة عشرة ولم يتجاوز الحادي والعشرين.

وكذلك شهدت قضايا العنف الأسري انخفاضاً بين عامي 2019 – 2020، حيث بلغت 4266 في عام 2019، وانخفضت إلى 3038 في العام المنصرم، وبنسبة انخفاض 39%.