الدلالات واضحة وقوية بأن تظل دول الخليج، على الأرجح، مهمة في الشؤون العالمية خلال العقود المقبلة كما كانت في القرن العشرين، هذا ما خلص إليه تقرير أعدته إيكونوميست حول أزمة الطاقة العالمية والجغرافيا السياسية، وكيف عملت الحرب في أوكرانيا على إعادة تشكيل سوق النفط والغاز في العالم، بحيث ستكون دول المنطقة اللاعب الأبرز فيها، مضيفة أن خليجاً جديداً آخذ في الظهور على الساحة العالمية.

ولهذا، يتقاطر السياسيون في الدول الغربية، الذين يواجهون أزمة طاقة وتكاليف معيشة عالية، على دول الخليج، آخرهم أولاف شولتز، المستشار الألماني، حيث تبحث ألمانيا منذ قطع روسيا الغاز عنها عن أسواق بديلة يمكنها أن تستورد الطاقة منها.

النفط والغاز



أحدث طفرة في النفط والغاز تحدث جنباً إلى جنب مع اتجاهات أعمق في السوق: إعادة هندسة تدفقات الطاقة العالمية استجابة للعقوبات الغربية وتغير المناخ، وإعادة تشكيل التحالفات الجيوسياسية في الشرق الأوسط مع تكيف بلدان المنطقة مع عالم متعدد الأقطاب، حيث لم تعد أميركا ضامناً موثوقاً به لتحقيق الأمن. والنتيجة هي خليج جديد مقدر له أن يظل محورياً لعقود مقبلة.

تنتمي دول الخليج إلى منطقة مرت بعقدين صعبين. فوسط الحروب والانتفاضات، لقي مليون شخص مصرعهم من جراء أحداث العنف في الشرق الأوسط، وانخفضت حصته من الناتج المحلي الإجمالي العالمي من %4 في عام 2012 إلى %3. وخففت أميركا وجودها العسكري في أعقاب الكوارث في العراق وأفغانستان، تاركة الحلفاء القدامى، بما في ذلك دول الخليج، متوجسين من الفراغ الأمني الذي تملأه إيران ووكلاؤها. في حين واجهت دول الخليج انخفاضاً طويل المدى في الطلب العالمي على الوقود الأحفوري، حتى وسط معاناة دول العالم من انخفاض هطول الأمطار وارتفاع درجات الحرارة بسبب تغير المناخ.

إنها نقطة انطلاق شاقة، لكن هناك قوتين جديدتين تلعبان دوراً مهماً. الأولي هي التغيرات في أسواق الطاقة. فبالأسعار الحالية، يمكن لدول الخليج أن تكسب 3.5 تريليونات دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة. وتعمل العقوبات الغربية على روسيا على إعادة توجيه كيفية تداول الطاقة حول العالم. ومع تدفق الإنتاج الروسي إلى الشرق، فمن المتوقع أن يصبح الخليج مورداً أكبر للغرب.

الاستثمار الرأسمالي

واستجابة لأسواق الطاقة التي تعاني من الضغوط، تعمل السعودية والإمارات على تكثيف الاستثمار الرأسمالي في النفط بهدف طويل المدى، يتمثل في أن تكون آخر من يقف في هذه الصناعة، ويساعدهما في تحقيق ذلك حقيقة كونهما تتمتعان بعمليات استخراج أقل تكلفة وتلوثا. وتهدفان معا إلى زيادة الإنتاج من 13 مليون برميل يوميا العام الماضي إلى 16 مليونا على المدى المتوسط. ما سيؤدي الي ارتفاع حصتها في السوق مع تضييق الحكومات في جميع أنحاء العالم على الانبعاثات وانخفاض الطلب العالمي على النفط.

واضافت: ومع توسع قطر في مشروع حقل الشمال في السنوات القليلة المقبلة، ستصبح للغاز الطبيعي المسال ما تمثله تايوان بالنسبة لأشباه الموصلات المتقدمة: إنتاجها السنوي المستهدف يعادل %33 من إجمالي الغاز الطبيعي المسال الذي يتم تداوله في جميع أنحاء العالم في عام 2021. وبهذا فانه لا يمكن أن يكون هناك أفضل من هذا التوقيت وسط الضغط العالمي الذي يتعرض له سوق الغاز.

منطقة مهمة

أشارت ايكونوميست الى أن الدلالات واضحة وقوية بأن تظل منطقة الخليج، على الأرجح، مهمة في الشؤون العالمية في العقود المقبلة كما كانت في القرن العشرين، على الرغم من آمال بعض الاستراتيجيين الأميركيين في أن أهميتها ستتلاشى. ففي مجال النفط والغاز، قد ترتفع حصتها من واردات أوروبا من أقل من %10 اليوم إلى أكثر من %20. وفي مجال التمويل، ستنمو الأصول الاحتياطية والسيادية الخليجية البالغة 3 تريليونات دولار، مما سيؤدي إلى مزيد من الاستثمارات في الخارج، مثل حصة قطر في عرض بورشه الأسبوع المقبل.

ثقل اقتصادي

قالت ايكونوميست ان الثقل الاقتصادي لدول الخليج في منطقة الشرق الأوسط بلغ أعلى مستوياته منذ عام 1981، عند %60 من الناتج المحلي الإجمالي الإقليمي، وسيرتفع أكثر.

خليج جديد

بينت ان الخليج الجديد آخذ في الظهور، وان كانت بعض الأمور ستظل كما هي، لكنه سيظل منطقة متقلبة ومن المستحيل أن يتجاهل العالم ذلك.

اقتصاد عالي التقنية

أشارت ايكونوميست الى ان دول الخليج تحاول الآن اتباع مسار اقتصادي يثير الحيرة. فهي تخطط لتوسيع إنتاج الوقود الأحفوري لمدة 20 عاما أو نحو ذلك ثم خفضه بعد عام 2045. ومن الممكن أن نرى كيف سينجح ذلك من الناحية النظرية: تنبغي إعادة استثمار الإيرادات الضخمة بسرعة في اقتصاد عالي التقنية قائم على الطاقة المتجددة وأنظمة الطاقة والهيدروجين وتحلية المياه التي تتمتع بديناميكية كافية لخلق ملايين فرص العمل لعدد كبير من الشباب. وفي الممارسة العملية فان المهمة ضخمة. وحتى لو نجحت، فإنها ستجعل أهداف المناخ لاتفاق باريس بعيدة المنال.