مريم بوجيري

الله عز وجل هو مالك الملوك، ورب الأرباب وخالق الأكوان، كل الخزائن عنده، والملك بيده لكن يغفل البعض عن سؤال من يقضي الحاجات كلها، فكيف يتم استغلال العشرة الأواخر من الشهر الفضيل في الدعاء واستثمار تلك الأيام المباركة؟

وفي هذا الشأن، قال خطيب وإمام جامع أجور الشيخ حسن طيب إن الله سبحانه وتعالى يخاطب عباده في حديث قدسي فيقول (يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر)، فلا ينقص خزائنه من كثرة العطايا، ولا ينفد ما عنده، وهو يعطي العطاء الجزيل، قال النبي عليه الصلاة والسلام (يدُ الله ملأى لا تغيضها نفقه سحاءُ الليل والنهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماء والأرض؟ فإنه لم يغض ما في يده، وكان عرشه على الماء وبيده الميزان يخفض ويرفع).



وأضاف: «هذا غنى الله، وهذا عطاؤه، وهذه خزائنه، يعطي العطاء الكثير، ويجود في هذا الشهر العظيم؛ لكن أين السائلون؟ وأين من يحولون حاجاتهم من المخلوقين إلى الخالق؟ أين من طرقوا الأبواب فأوصدت دونهم؟ وأين من سألوا المخلوقين فرُدوا؟ أين هم؟ دونكم أبواب الخالق مفتوحةً يحب السائلين فلماذا لا تسألون؟».

وأكد طيب أن الدعاء من أجلِّ العبادات؛ بل هو العبادة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم؛ ذلك لأن فيه من ذلِّ السؤال وذلِّ الحاجة والافتقار لله تعالى والتضرع له، والانكسار بين يديه، ما يظهر حقيقة العبودية لله تعالى؛ ولذلك كان أكرم شيء على الله تعالى كما قال النبي: (ليس شيء أكرم على الله من الدعاء)، فإذا دعا العبد ربه فربه أقربُ إليه من نفسه « وإذَا سألكَ عبادي عني فإني قريبٌ أجيبُ دعوَةَ الداعِ إِذا دعانِ فلْيستجيبوا لي وليؤْمنوا بِي لعلهمْ يرشدونَ».

وللمسلم عند فطره له دعوة مستجابة، قال النبي صلـى الله عليـه وسـلم (إن للصـائـم عند فطره دعوةً لا ترد) ويجب استغلالهــا في طلـب الله سبحانه وتعالى.

وقال: «نحن نعيش أفضل الليالي، ليالٍ تعظُم فيها الهبات، وتنزل الرحمات، وتقال العثرات، وترفع الدرجات، ليالي العشر الأخيرة من رمضان، فهل يعقل أن تقضى تلك الليالي في مجالس الجهل والزور، وربُ العالمين ينزل فيها ليقضي الحوائج يطلع على المصلين في محاريبهم، قانتين خاشعين، مستغفرين سائلين داعين مخلصين، يلحون في المسألة، فهل هؤلاء أقرب إلى رحمة الله وأجدر بعطاياه أم قوم قضوا ليلهم فيما حرم الله، وغفلوا عن دعائه وسؤاله؟».

وبين طيب أن العلاقة بين الصيام والدعاء تتمحور ضمن آيات الصيام في القرآن الكريم والتي جاء عقبها ذكرُ الدعاء { وَإذَا سألكَ عبادِي عني فإِني قريبٌ أُجيبُ دَعوَةَ الداعِ إِذَا دعانِ فليستجيبوا لِي وَليؤْمنوا بي لعلهمْ يرْشدُونَ}، حيث أوضح أن بعض المفسرين قالو إن في في هذه الآية إيماءٌ إلى أن الصائم مرجو الإجابة، وإلى أن شهر رمضان مرجوة دعواته، وإلى مشروعية الدعاء عند انتهاء كل يوم من رمضان.

وتابع: «فمهما سأل العبد فالله يعطيه أكثر، قال النبي عليه الصلاة والسلام قال: (ما من مسلم يدعو الله بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث: إما أن تعجل له دعوته، وإما أن يدخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها. قالوا: إذاً نكثر، قال: الله أكثر)، كما إن الدعاء يرد القضاء كما قال النبي (لا يرد القضاء إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر)، فالدعاء في الرخاء من أسباب الإجابة، وإذا أكثر العبدُ الدعاء في الرخاء فإنه مع ما يحصل له من الخير العاجل والآجل يكون أحرى بالإجابة إذا دعا في حال شدته من عبد لا يعرف الدعاء إلا في الشدائد».

وفي فضل الدعاء، لفت طيب إلى أن الله تعالى يستحي أن يرد عبده خائباً إذا دعاه، وهذا غاية الكرم، والله تعالى أكرم الأكرمين، فمن الخطأ أن يترك المرء الدعاء؛ لأنه يرى أنه لم يستجب له، فهذه أيام الدعاء، وقال: «فاجتهد في هذه الأيام الفاضلة فلقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يشد فيها مئزره، ويحيي ليله، ويوقظ أهله. كان يقضيها في طاعة الله تعالى؛ إذ فيها ليلة القدر لو أحيا العبد السنة كلها من أجل إدراكها لما كان ذلك غريباً أو كثيراً لشرفها وفضلها، فكيف لا يصبر العبد نفسه ليالي معدودة، على اغتنام هذه العشر، وأرِ الله تعالى من نفسك خيراً فلربما جاهد العبدُ نفسه في هذه الأيام القلائل فقبل الله منه، وكتب له سعادة لا يشقى بعدها أبداً».