الصّامتون أو المتردّدون عن أيّ شكلٍ من أشكال المشاركة الفرديّة أو الجماعيّة ظاهرة غير موجودة بمفهومها «السّياسيّ» بشكلٍ عام، ولكن هناك فئات مُتردّدة في المجتمع البحرينيّ، لا يُستهان بها إذا ما قرّرت المشاركة في العمليّة الانتخابيّة فإنّها قد تقلب الموازين، وتصبح كفّةً راجحةً لبعض المترشّحين.

هذه الفئة التي لا تشارك في الحياة السياسيّة والدّيمقراطيّة، وتقف على خطّ الحياد، ولا تعير أيّ اهتمامٍ بقضايا الرّأي العامّ في معظم الأحيان، لا يقتصر وجودها في مملكة البحرين، بل إنّها موجودةٌ في دول عَديدةٍ، ولها أسبابها في العزوف عن المشاركة. وباتت هذه الفئة اليوم مستهدفةً من قبل المترشّحين في الانتخابات النّيابيّة أو البلديّة.

يكفل دستور مملكة البحرين (2002) لكافة المواطنين المتردّدين في المشاركة في الحياة الدّيمقراطيّة حقوقهم السّياسيّة كاملة، والّذين يشكّلون فئة لا يستهان بها نستطيع القول عنها «الأغلبيّة الصّامتة»، هذه الفئة يمكنها أن تقلب الموازين وتقول كلمتها إن أرادت ذلك. فالمشاركة في الانتخابات القادمة للفصل التّشريعيّ السّادس تنبع من الحسّ الوطنيّ للمواطن الغيور على مصلحة وطنه، ومن القناعة المترسّخة لديه بإيجابيّة المشاركة، والحرص على كل ما يهمّ الوطن الغالي حفاظاً على المكتسبات الّتي جلبتها الإصلاحات الدّستوريّة، ورحاب الدّيمقراطيّة الّتي قدّمها جلالة الملك «حمد بن عيسى آل خليفة» ملك البلاد المعظّم أيّده الله ورعاه لشعب البحرين الكرام بعد التّصويت «بنعم» للميثاق الوطنيّ.

ليس من السّهل معرفة الأسباب الحقيقيّة للصّامتين والعازفين عن المشاركة في الانتخابات النّيابيّة والبلديّة وبعض الاستحقاقات الوطنيّة، رغم حجم هذه الكتلة، فهم ليس من المؤكد أنّهم لا يمتلكون الخبرة في العلاقات الاجتماعيّة والسّياسيّة، وشؤون الحياة، بل من المؤكد أنّ لديهم أسباباً عديدةً يقتنعون بها لأنفسهم، ونحن نحترم رأيهم إيماناً بالحرّيّات الّتي كفلها دستور مملكة البحرين (2002) لكافّة المواطنين.

بات على مؤسّسات المجتمع المدنيّ مسؤوليّة في البحث عن المتردّدين والعازفين عن المشاركة، والوصول إليهم والتّعرّف على أسباب عزوفهم، ومناقشتها بموضوعيّة وفهم عميق. ويأتي ذلك بالتّنسيق والتّعاون مع الجهات الأهليّة المسؤولة، من جمعيّات مهنيّة متخصّصة في الاستقصاء والبحث عبر استبيانٍ قصير «افتراضيّ»، يحمل بين طياته الخصوصيّة للمشارك في الاستبيان تشجيعاً على الوصول إلى أسباب العزوف والتّردّد، ووضع الحلول النّاجعة لمعالجتها، ودمج هذه الفئة من المواطنين الكرام في المشاركة الإيجابيّة في الاستحقاق القادم وعرس الدّيمقراطيّة الجميل الّذي حلمنا به.

وكما هو معروف، إنّ «الثّقافة المجتمعيّة» هي عبارة عن عمليّة وعي لأفراد المجتمع للعلوم والمعارف في مختلف مسارات الحياة، وكلّما زادت قدرة الفرد ومطالعته وحصوله على الخبرة في الحياة زادت نسبة الوعي الثّقافي لديه، وأصبح عنصراً بنـّاءً في المجتمع، يُسهم ويبني لبنات مستقبل مشرق لوطن الدّيمقراطيّة وسيادة القانون، وذلك لن يتحقّق عبر عزوفنا وتردّدنا عن المشاركة الشّعبيّة، بل على العكس من ذلك تماماً هكذا علّمنا تاريخ الشّعوب المتحضّرة.

*باحث أكاديميّ