جاء إعلان إحدى شركات منتجات المواد الغذائية الإقليمية، ذات الحضور الواسع في سوق منتجات الألبان بمملكة البحرين، عن رفع أسعار منتجاتها بنسب مختلفة تزيد عن 25%، بسبب ارتفاع أسعار الأعلاف وتكاليف الشحن ليضع عبئاً متزايداً على المواطنين، ولا سيما أن منتجات هذه الشركة تمثل مصدراً أساسياً يومياً لقطاع كبير من الأسر البحرينية وخاصة الأطفال والصغار، الذين لا يمكنهم الاستغناء عن الحليب و«الروب»، والمسألة لا تتعلق بزيادة 50 فلساً في سعر هذا المنتج أو ذاك، رغم أن هذا الرقم رغم صغره يشكل ضغطاً على الأسر، ولكنه يفتح تساؤلات عديدة عن موقع ومكانة المنتج الوطني في مثل هذه السلع الضرورية والأساسية.

إن المواطن يصحو كل يوم على زيادة جديدة ومفاجئة في أسعار العديد من السلع والخدمات، والحكومة الموقرة تعمل جاهدة لمراقبة الوضع ومحاولة التقليل من تداعياته على الأوضاع المعيشية في ظل وضع اقتصادي عالمي صعب ومعقد، ولكن «غول» الأسعار لم يعد يعرف حداً يوقفه، وطال كل شيء، وازدادت معاناة المواطنين، مع ثبات الرواتب، وأصبحت علاوة الغلاء لا توازي الارتفاعات المتتالية في أسعار الزيت والحليب والسكر والدواجن والفواكه والخضروات والملابس والطعام.. إلخ، ومن هنا يجب أن يكون لدينا رؤية إستراتيجية للارتقاء بقطاع الصناعات الغذائية في مملكة البحرين، رؤية تتشارك فيها الحكومة مع رجال الأعمال.

لماذا لا يوجد لدينا مشروع وطني لتطوير الصناعات الغذائية وفتح مزيد من المصانع المتخصصة في إنتاج الحليب والألبان والأجبان؟ لماذا لا تبادر وزارة الصناعة والتجارة لتقديم مزيد من التسهيلات التي تجذب الاستثمارات في هذا النوع من الصناعات؟ لماذا نظل تحت رحمة استيراد حتى أبسط الأشياء ونكون عرضة باستمرار لتقلبات السوق الدولية وحركة الشحن والنقل العالمي؟ لماذا لا نرتقي بطاقات مصانعنا القائمة ونطور خطوط إنتاجها ونقدم لها التسهيلات الجمركية لاستيراد الخامات والمواد، حتى تكون قادرة على تغطية احتياجات السوق المحلي؟ إننا نستطيع تحقيق ذلك لو وضعنا الرؤية اللازمة ودمجنا معها آليات التنفيذ.

نحتاج إلى مشروع متكامل للثروة الحيوانية في البلاد من خلال شراكات بين القطاعين الحكومي والخاص لإنشاء مزارع حيوانية نموذجية وفق النظم العالمية الحديثة وانتقاء أفضل السلالات الحيوانية لها، على أن يكون هذا مشروع دولة وليس مجرد استثمار، ويجب الإسراع في تنفيذ التوجيهات الملكية السامية بوضع وتنفيذ «مشروع إستراتيجي للإنتاج الوطني للغذاء»، يشمل تخصيص مواقع متعددة للاستزراع السمكي والإنتاج النباتي وتطوير القدرات الوطنية في مجال الصناعات الغذائية ورفع نسبة الإنتاج المحلي.

وهنا نتساءل عن «شركة البحرين للتطوير الزراعي»، التي قال وزير الأشغال وشؤون البلديات والتخطيط العمراني السابق عنها في مايو الماضي أنها ستحتضن جميع مشاريع الأمن الغذائي والاستزراع السمكي والمشاريع الزراعية التي سيتم إنشاؤها في مختلف محافظات المملكة، إلى أين وصل مشروع الشركة؟ ومتى سيرى إنتاجها النور؟ وعلينا ألا نغفل في هذا الصدد أيضاً مسألة دعم المزارعين والمنتجين للمواد الغذائية من المواطنين، الذين أرهقهم ارتفاع أسعار المدخلات من بذور وأسمدة وأعلاف وغيرها.

إن الأمن الغذائي وتحقيق الاكتفاء الذاتي ضرورة يجب أن تكون لها الأولوية؛ فالمواطن لم يعد قادراً على تحمل مزيد من ارتفاعات الأسعار.. حفظ الله مملكة البحرين وأدام عليها الأمن والاستقرار.