شكّل إقرارُ برنامج عمل الحكومة للسّنوات الأربع المقبلة من قبل مجلس النواب، بعد مناقشته ليستوعب تعزيز الجانب المعيشي للمواطنين، في ظل التحديات الاقتصادية والمالية، نجاحاً يستحق الإشادة، بالرغم من كل الانتقادات التي رافقت هذا النقاش. حيث أكد إقرار هذا البرنامج ومن ثمة الموافقة عليه بالإجماع، على أهمية الشّراكة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، مادام الهدف النهائي المشترك، هو الارتقاء بالمستوى المعيشي للمواطنين، مع تأمين توازنات الدّولة وضمان قدرتها على الوفاء بالتزاماتها الداخلية والخارجية.

لا أحد يمكن أن يتجاهل -في هذا السياق- التحديات الكبيرة التي تواجه الاقتصاد والمجتمع معاً. إلا أن الاستشراف والتخطيط من خلال مثل هذه الشراكة هو السبيل الأمثل لمواجهة هذه الأوضاع ومستجداتها، في ظل التشابك بين الوطني والإقليمي والعالمي. وكي ننجح في هذا المسعى لابد من الاعتماد مع التخطيط المراجعة المستمرة، من أجل ضمان التكيف لتحصين الدولة ضد التقلبات الاقتصادية والمالية. وتبني نظرة ديناميكية متعدّدة الاتجاهات والاحتمالات المتوقعة والبديلة، حتى يبقى الاختيار مفتوحاً عند بروز أية متغيرات جديدة لتعديل المسارات في الوقت المناسب.

ومن هذا المنطق تظهر أهمية تعزيز التقاليد الوطنية في صنع القرار والتأسيس لثقافة الشَّراكة التي تعتمد التفكير الاستراتيجي الاستشرافي، لتوضيح الملامح العامة والتوجهات المستقبلية التي تهم المجتمع. مستذكرين في هذا السياق الدّور الإيجابي الذي أسهمت به رؤية «البحرين الاقتصادية 2030» بعد إطلاقها في العام 2010 والتي تم بناؤها بمشاركة مختلف الأطراف ذات العلاقة. ورسمت أهدافاً ملموسة مقرونة بالفعل والإنجاز. وجاء برنامج التّوازن المالي في الأثناء ليكون وجهاً من وجوه التكيف التعديلي، بالرّغم مما يحمله من إجراءات صعبة، ولكنها ضرورية، لتفادي الاختلال في المالية العامة.

وقد تمكنت البحرين -رغم كل التحديات الصعبة التي مرت بها- من تحقيق نسب مهمة من النُّمو، والحصول على مؤشرات تنموية إيجابية، وخاصة تلك المرتبطة بنوعية الحياة، والتعليم والصّحة. إلا أن الطموح يجب أن يكون أبعد من ذلك، بمواصلة الجهد لضمان استمرار المعادلة بين التوازن المالي والتوازن الاجتماعي، من خلال رؤى وبرامج ملموسة ووعود محددة للمستقبل، تتفرع عنها برامج قطاعية ومقترحات واضحة في الاستراتيجيات المعلنة في البرنامج.

إن الاستشراف سوف يظل منهجاً للتَّطوير والتَّحديث وبناء مستقبل أفضل. مستقبل يُشيَّد مرحلة بعد مرحلة. يرتكز على مقاربة شاملة متعددة الاختصاصات. ويأخذ بعين الاعتبار متطلبات المراحل اللاحقة. لأن المستقبل مجال حرية: حرية الاجتهاد في التفكير المفتوح على عدة احتمالات. ومجال إرادة: إرادة أخد القرار المناسب في الوقت المناسب، حتى وإن كان القرار صعباً. ومجال قدرة على الفعل الذي يحث على إجراء التغييرات المنشودة نحو الأفضل. كما هو مجال وفاق وشراكة المبنيين على الحوار، كدعامة للديمقراطية والاستقرار والنَّماء.